|




أحمد الحامد⁩
«أحبك» التي تأخرت طويلا
2025-05-11
من قال إن لا قيمة للندم فقد جانب الصواب، الندم تصحيح مسار، خصوصًا إذا كان في الطريق بقيّة. أنا نادم بكل ما للندم من معانٍ وتفسيرات، لأنني لم أعبّر عن محبتي وعاطفتي تجاه أخي الراحل إلا في الشهرين الماضيين عندما رافقته في رحلة المرض، نادم لأنني لم أفيض بمشاعري تجاهه مثلما كنت وهو على سرير مرضه المميت، حاولت أن لا أبقي شيئًا من مشاعري، لكن الوقت المتبقي كان قصيرًا جدًا لمرور كامل بحر الحب.
نادم لأنني لم أكن أقبّل يده إلا بعد معرفتي بأنه مغادر، نادم لأنني ومنذ أن وعيت الحياة عبّرت له عن محبتي بأشكال مختلفة، لكني لم أقل له يومًا: أحبك. قبل خمس سنوات استضفت الكاتب أحمد الفهيد، كان قلبُ تلك الحلقة عن أهمية استخراج مشاعرنا من أعماقنا إلى السطح، أن نسيّلها إلى كلمات، أن نقول كلمة «أحبك» لأحبتنا، أن ننطقها بوضوح، ومع كل تأثري بما قاله أحمد الفهيد الذي خاض تجربة فقد مريرة، إلا أنني خرجت غافلًا من تلك الحلقة، ومن قيمتها الإنسانية الكبيرة، رحت أفكر بضيف الحلقة المقبلة، وانشغلت في الركض اليومي، دون أن أتصل بأحبتي لأقول لهم واحدًا واحدًا بأني أحبه.
لم أواجه في حياتي رحلة مؤلمة مثل مرض ورحيل أخي، حتى رحيل والدي المفاجئ في حادث سيارة قبل 11 عامًا، لم يكن بهذه المرارة التي تجرعتها كل يوم وليلة، وأنا أشاهد أخي يذبل أمامي. كانت رحلة فاصلة في حياتي، وتحولًا في رؤيتي للحياة وحقيقتها.
ما أضعف الإنسان وقلة حيلته أمام المرض والموت، لا تريد أن ترى أخيك في عذاب المرض المفضي إلى الموت، تصبح كل أمنياتك وغاياتك وأحلامك أن يتشافى، وأن تتوقف آلامه عن نهشه وإيلامه، لكنك لا تريد نهايتها على حساب فراقه الأبدي.
فجأة تكاشفك الحياة بضعفك بكل صراحة: ها هو أخيك، ابن أمك وأبيك، رفيق حياتك، وشريط ذكرياتك، يموت أمام عينيك، فما أنت فاعل؟ لا شيء غير الدعاء والبكاء. الآن وبعد رحيل أخي فهمت تمامًا ما كان يعنيه أحمد الفهيد، ولماذا حوّل تلك الحلقة إلى دعوة للناس بأن يفيضوا بمشاعرهم لأحبتهم، أن يسمعوهم كلمة أحبك وهم على قيد الحياة، لأن لا موعدًا معلومًا لرحيلهم، فقد يكون اليوم، وقد يكون بعد دقائق. إن كان في الحياة متغيرات، فرحيلنا أو رحيل أحبتنا أمر ثابت، فلنقل لكل واحد منهم «أحبك» لكي لا يؤلمنا الندم بعد رحيلهم.