أكثر الأوقات التي ارتكبت فيها أخطاءً كبيرة هي الأوقات التي كنت فيها واثقًا من نفسي، متمسكًا بآرائي، معتقدًا أني حكيم المكان والزمان. اليوم أول ما أشك فيه هو نفسي، لأنها أمارة بالسوء، ولأنها تحتاج إلى ضبط مستمر، وإلى قصقصة أجنحتها كلما تمادت وحاولت الطيران. أسمع بعض الناس يدعون أن يكفيهم الله شر الناس، وهو دعاء جميعنا ندعوه، لكننا نحن الجميع بحاجة إلى أن ندعو الله ليكفينا شر أنفسنا أولًا. أحد الأصدقاء وهو حكيم غير متوج بتاج الحكمة عند محيطه، كونه يتحدث ببساطة دون تكلّف وبهرجة لغوية، يقول إنه لم يواجه في حياته معارك أشرس من تلك التي خاضها ضد نفسه، وإنه انتصر في معظمها، أما سلاحه فكان التواضع، والتبسيط، والمسامحة، واختيار الأصدقاء بعناية فائقة، والابتعاد عن الشبهات. مما قاله أيضًا إن النفس لا تتوقف عن محاولاتها، لذا يجب قمعها كلما حاولت التمرد، أو وسوست للشك وسوء الظن بالآخرين. صديق آخر يقول عن صراعه مع نفسه أن هزائمه أكثر من انتصاراته، كانت حالته أقرب للفقر فرزقه الله، ووهبه المكانة الاجتماعية الجيدة، لكنه حسب قوله اعتقد أن كل ذلك عائد لذكائه وتفوقه، نفخ بالونة الغرور واستقر بداخلها، وهذا الاعتقاد الذي سوّلته له نفسه، هو من جعله يرتكب أخطاءً في حياته العملية والاجتماعية، أعادته إلى الوراء ماليًا واجتماعيًا. التواضع لا يشبه الضعف لا من قريب أو بعيد، التواضع قوة مغلفة بالرحمة، وعادة النفس أنها تحب «الفشخرة»، لذا يكون التواضع أشبه بتوجيه الصفعات للنفس كلما أرادت أن توهم صاحبها بقوته وفرادته، وأنه حكيم الحكماء، وخبير الخبراء، وأسطورة القرن. شيء آخر يواجهه الإنسان في الحياة وهو الصراع ضد النسيان، هذ الصراع لا يقل خطورة عن النفس عندما تأمر بالسوء. عندما نتعلم درسًا مكلفًا من خطأ ما، نظن أننا حصلنا على تجربة ستمكننا من عدم تكرار الخطأ. مشكلة النسيان عند الأكثرية أنه يعمل على تفريغ الذاكرة كلما استطاع، خصوصًا مع مشاغل الحياة وسرعتها. النسيان في بعض الأحيان يتغلف على شكل غفلة، تغفل عن التواصل مع أقاربك، وأصدقائك، وجيرانك القدامى، وعندما يغيب أحدهم عن الحياة سرعان ما تشعر بالندم، ثم تعاهد نفسك أن تبدأ بداية جديدة، على ألّا تنقطع عنهم. هنا يقفز النسيان ليعمل على تفريغ شيء من الذاكرة، وقد تكون عهودك مع نفسك مما مُسح من الذاكرة.