|




أحمد الحامد⁩
بحر بلا حدود
2025-05-27
عالم العطور كبيرٌ، ويُشبِّهه العطَّارون بالبحر، وهو كبيرٌ فعلًا للحد الذي لا نهاية له، لأن إضافةً صغيرةً في أي تركيبةٍ عطريةٍ، تعطي نتيجةً مختلفةً.
منذ أربعة أعوامٍ، وأنا أكتشف هذا العالم، وما زلت على ساحله. ممتعٌ إلى حدِّ الدهشة، ومتغيِّرٌ، ومتجدِّدٌ بشكلٍ يومي. تصوَّروا أن للعطر مزاجًا، يشبه مزاج الإنسان، فالعطر في الصباح له مزاجٌ، وفي المساء مزاجٌ آخر، وهو إما متألِّقٌ في الصيف، أو في الشتاء. رشُّ العطر الشتائي في الصيف مثل ارتداء ملابسَ شتويةٍ في الصيف، وقد يضيع العطر الصيفي الخفيف في برودة الشتاء، لذا قسَّم العطارون العطور إلى مواسمَ، الفواكه والحمضيات والزهور للصيف، والعود والعنبر وكل المكوِّنات الثقيلة للشتاء.
العطور تشبه الإنسان أيضًا في نضجها، فالعطر في بداية مزجه مع الكحول، يكون أشبه بالطفل، يحتاج إلى الوقت ليختمر، وكلما زادت فترة اختماره، باح لك بأسراره، وقد لا يعجبك العطر غير مكتمل التخمير، وقد تعشقه بعد اكتمال اختماره.
العمل في العطور ممتعٌ، لكنَّه صعبٌ أيضًا، ويحتاج الإنسان إلى موهبةٍ في الاختيارات، ويلعب الأنف دور البطولة فيه، لذا يهتمُّ العطارون بأنوفهم، أي يتجنَّبون الإصابة بالزكام والجيوب الأنفية.
وفي عالمنا العربي معظم الشركات العربية مقلِّدةٌ! قليلٌ منها يصنع روائحَ جديدةً! والتقليد ليس سمةً للشركات العربية فقط، فحتى الشركات العالمية، تُقلِّد بعضها في بعض العطور! وبعض الشركات قد لا تُقلِّد العطر حرفيًّا، لكنَّها قد تقتبس منه شيئًا، أو قد تُقلِّد الرائحة، لكنَّها تمزجها مع رائحةٍ أخرى، ليخرج عطرًا جديدًا.
إن كان هناك مَن يسأل عن السبب الذي يجعل الشركات تُقلِّد بعض عطور الشركات الأخرى، فالإجابة بأن هذه الشركات التي قلَّدت، تريد اقتسام كعكعة نجاح الرائحة الرائجة عند الناس.
جودة العطور تشبه موديلات السيارات. هناك عطورٌ، تشبه ماكينات السيارات ذات السلندرات الأربعة، وهناك الستة، والثمانية، والعشرة. الجودة العالية عادةً تكون في العطور التي فيها أكثر كميةٍ من المكوِّنات الطبيعية، أما قوَّتها، فتعتمد على أمرين، الأول فوحان المكوِّنات، فبعض المكوِّنات فوَّاحةٌ مثل العود، والباتشولي، والثاني في نسبة تركيز العطر، أي نسبة الزيت في زجاجة العطر، فكلما كثرت، زادت قوة العطر.
العرب يحبون العطور القوية والفوَّاحة، ويفضِّلون أن تسألهم الناس عن عطرهم كلما جلسوا في مكانٍ، أو مروا في طريقٍ. الأوروبيون لا يرون في ذلك ضرورةً، لأنهم يعدُّونه أمرًا شخصيًّا.
في السوق العربية، راجت صناعة العطور في السنوات الأخيرة، بعضها ممتازٌ، وبعضها جيدٌ، وكثيرٌ منها تقليدٌ سيئ. تبقى صناعة العطور مثل أي صناعة أخرى، قد تربح، وقد تخسر، لكنْ المؤكَّد أنها صناعةٌ، تحتاج فيها إلى الجودة والاستمرارية.