كسوة الكعبة.. 159 سعوديا و25 مليون ريال

يحيط كسوةَ الكعبة المشرفة حزامٌ مزدان بخط الثلث، متناسقة في تصميم هندسي رائع يعكس انتظام خطوات الطائفين حولها.
وتنساب الآيات القرآنية الكريمة بخيوط من الذهب والفضة، على نسيج الكعبة المنسوج من الحرير الخالص، فتزهو بخط الثلث الجلي المركب، الذي اختير لدلالات الوقار والانضباط التي يحملها، لتُوازي قدسية المكان، وتليق بمقام الشعيرة، في صورة بصرية تتجلى فيها جماليات الخط العربي.
وأوضح الخطاط عبد الرحمن المالكي، من مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة لوكالة الأنباء السعودية، أن اختيار خط الثلث يتجاوز حد الزخرفة، ليختزل أكبر عدد من الكلمات في مساحة ضيقة، كما تفعل الحشود في طوافها حول البيت العتيق.
ويُطل خط الثلث على كسوة الكعبة، عبر صناعة خاصة تمنحه الحياة، وتعمل أيادٍ سعودية بإتقان، خلف كل خيط وكل غرزة وكل قطعة من فضة وذهب، فيشارك 159 سعوديًّا بين حائك ومُطرّز في عمل منضبط، يشبه خلية النحل، في بيئة لا تعرف الفوضى، وبدقة تُقاس بالملليمتر، وإتقان يُحتذى به.
ويشهد مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، مراحل صناعة الثوب الاستثنائي، من أجود أنواع الحرير الطبيعي الخالص المستورد من إيطاليا، من حرير صافٍ، يُصبغ بالسواد العميق، ثم يُطرّز بخيوط فضية مطلية بماء الذهب من ألمانيا، حيث تُعد من أفخم الخامات عالميًّا، وكذلك بطانة تضم نحو 7400 خيط منسوج بعناية تُجسّد التعقيد البصري والدقة الفنية، وتخدم قيمة دينية سامية.
وتمثل ستارة باب الكعبة، التاج البصري والروحي، وتُغزل التفاصيل الذهبية الأكثر دقة وتُطرّز الكلمات الانتقائية كلفظ الجلالة «الله»، و«سبحان الله وبحمده»، وأيضًا «يا حي يا قيوم»، وغيرها من التسابيح.
وتتوزع المذهّبات بين الخط والزخرفة، وتُحاط بالحزام المطرز الذي يلتف حول الكعبة من أعلاها، وتتدلى تحته «القناديل» كعلامات للطواف، منها ما كُتب عليه: «الله نور السماوات والأرض»، فيما تُرصّ «الصمديات» في الأركان الأربعة كسور من التوحيد البصري، تُكتب فيها سورة الإخلاص: «قل هو الله أحد، الله الصمد»، بلغة نسيجية دقيقة، وتخضع أعلى نقطة عند الميزاب، لمعالجة خاصة لأنها ذروة الارتفاع والدقة.
ويشمل العمل داخل المجمع، أيضًا الستارة الداخلية للكعبة وستارة الحجرة النبوية، في منظومة إنتاج تتلاقى فيها الدقة الصناعية مع القداسة.
ومع كل موسم تثبت الكسوة صلابتها ورونقها تحت شمس مكة ورياحها وأمطارها، لا لأنها فقط صُمّمت لذلك، بل لأنها صُنعت من خامات استثنائية، بخيوط فاخرة من الحرير والذهب والفضة، تجعل من الثوب تحفة متينة بقدر ما هي مهيبة، وتبلغ تكلفة الكسوة السنوية 25 مليون ريال سعودي، تتكفل بها الدولة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ وتُستبدل مرة كل عام بعد موسم الحج، ضمن طقوس إدارية وروحية تراكمت خبرتها نحو 100 عام من الإشراف السعودي المباشر.
وتظل كسوة الكعبة رسالة غير منطوقة، تُرسلها السعودية كل عام إلى العالم الإسلامي، بأن العناية بالكعبة ليست مسألة شكل، بل عقيدة، وهوية، والتزام يزداد رسوخًا ولا يضعف مع الزمن.