|




أحمد الحامد⁩
أمنية واحدة!
2025-06-12
بالأمس سألت نفسي: كيف تريد أن تفهم الحياة قبل أن تفهم نفسك؟ قلت ذلك مباشرةً، وأنا خارجٌ من المستشفى، وبعد أن أجريت فحوصاتٍ عدة. قالوا لي قبلها: عليك شرب كثيرٍ من الماء قبل إجراء الفحوصات، لذا في الطريق إلى المستشفى، بدأت بشرب الماء بكثرةٍ، وتحدَّثت أثناء ذلك عبر الهاتف مع صديقٍ، لقَّنته درسًا خشنًا في حفظ المودَّة، وحق العِشرة، ثم تحدَّثت مع آخرَ بيني وبينه عملٌ، وأيضًا لقَّنته درسًا في فنون العمل، واحترام الزبائن، بعدها فكَّرت في الأعمال المقبلة التي يجب عملها. عندما جلست في غرفة الانتظار، كان الماء محبوسًا في بطني، وبدأت أشعر برغبةٍ شديدةٍ في الذهاب إلى الحمام. طلبت من الموظفة أن تُدخلني بسرعةٍ إلى غرفة الأشعَّة، لكنَّها ردت دون اهتمامٍ: كن صبورًا! عندما دخلت غرفة الأشعَّة، لم يكن في تفكيري سوى التخلُّص من الماء، وتلخَّصت عندي الحياة وأمنياتي في الخطوات التي سأخطوها نحو الحمام لأتخلَّص من هذا الضغط الفظيع! حتى إنني لم أسأل الممرضة إن رأت في الأشعَّة شيئًا يدعو للقلق. بعض الممرضات يسرِّبن معلوماتٍ قبل وصولها للطبيب. عندما انتهيت من الأشعَّة، اتَّجهت فورًا نحو الحمام، وخرجت وأنا في راحةٍ وهدوءٍ. في طريق العودة، تركت السيارة تأخذني إلى "اللامكان"، إذ كنت بحاجةٍ للتأمُّل في نفسي، في الإنسان الذي في داخلي، الذي فقدَ قبل نصف ساعةٍ فجأةً قدرته على التفكير والصبر، وتلاشت من عينيه كل اهتماماته وأعماله وطموحاته، كلها اختفت، لتعطي كامل المساحة لرغبةٍ واحدةٍ، الرغبة الأولى في حياتي الآن: الذهاب إلى الحمام! كان هناك فارقٌ شاسعٌ بيني وبيني، بين الشخص الذي كان متَّجهًا للمستشفى، والشخص الخارج منه، بين الشخص الذي كان يتفلسف على الناس قبل ساعةٍ، ويتحدث معهم دون فهمٍ وتقديرٍ لظروفهم، وبين الخارج من المستشفى وديعًا مسالمًا، لأنه رأى حقيقة ضعفه، وشاهد بنفسه إلى أي درجةٍ تصغر الحياة مقابل أشياءَ، لا نحسب لها حسابًا. كان درسًا، ربما ينفعني، وربما لا، فقد أنساه سريعًا، لأن النسيان آفة الدروس والتجارب.
فلاديمير نابوكوف: كل شيءٍ في العالم جميلٌ، لكنَّ الإنسان لا يتعرَّف على الجمال إلا عندما يراه نادرًا أو بعيدًا.