|




أرنولد.. ابن عاق ينفق على الفقراء

/media/article/2025/06/17/img/1716210442.png
الرياض ـ إبراهيم الأنصاري 2025.06.17 | 07:48 pm

على بعد أمتار قليلة من مركز ميلوود مقر تدريبات فريق ليفربول الإنجليزي الأول لكرة القدم، ولد وترعرع ترينت ألكسندر أرنولد الذي قضى طفولته في محيط يساعده على استراق النظر من بين شقوق الجدران، لرؤية نجومه المفضلين أمثال ستيفن جيرارد وجيمي كاراجر وتشابي ألونسو، ويحلم بالسير على خطاهم وارتداء قميص الريدز في المستقبل.
في 7 أكتوبر عام 1998، ولد ألكسندر أرنولد في ويست ديربي بليفربول من عائلة متوسطة، يقف على رأسها الزوجان مايكل وديان، اللذان تمكنا من تربية ترينت وشقيقيه الأكبر، تايلر ومارسيل، في بيئة عائلية مترابطة، يعمل الأب في مجال ريادة الأعمال، بينما كرّست ديان ألكسندر وقتها لتربية أطفالها وإدارة شؤون المنزل، وسط حرص كبير على ترسية القيم العائلية الراسخة والتزام بتنمية الأبناء، ما أسهم في وضع أسس نجاح ترينت ألكسندر-أرنولد.
كان شغف مايكل أرنولد بكرة القدم جليًا، يمارسها في أوقات فراغه. وعلى الرغم من عدم احترافه، إلا أن حبه للعبة أثَّر بعمق في أبنائه. من جانبها، أكدت ديان ألكسندر أهمية التعليم والانضباط، وحرصت على أن يوازن أبناؤها بين مسؤولياتهم الأكاديمية واهتماماتهم الرياضية. وقد أصبح هذا المزيج من الشغف والعملية حجر الأساس في نهج عائلة ألكسندر أرنولد في تربية أبنائها.
كان منزل ألكسندر أرنولد مركزًا لنشاط كرة القدم. منذ صغرهم، انغمس ترينت ألكسندر أرنولد وإخوته في هذه الرياضة، يلعبونها في شوارع وملاعب ويست ديربي المحلية. شجع مايكل أرنولد وديان ألكسندر أبناءهما على متابعة شغفهم بكرة القدم، ووفروا لهم الأدوات والفرص لتطوير مهاراتهم. كان حب العائلة للعبة جليًا، وأصبح رابطًا مشتركًا جمعهم معًا.
لعب مايكل أرنولد دورًا فاعلًا في رعاية موهبة ترينت ألكسندر أرنولد. كان يصطحب أبناءه غالبًا إلى المباريات المحلية ويتدرب معهم، مقدمًا لهم التوجيه والتشجيع. أما ديان ألكسندر، فمع دعمها لأحلامهم الكروية، حرصت على أن يظل أطفالها ملتزمين بتعليمهم. كان هذا التوازن بين الرياضة والدراسة سمةً مميزةً لنهج عائلة ألكسندر أرنولد في تربية أبنائها.
يقول أرنولد عن طفولته: «نشأتُ بالقرب من ميلوود، كنتُ دائمًا أتجول في المنطقة وما حولها، ألعب كرة القدم مع إخوتي وأصدقائي وفي المدرسة. بكل الطرق الممكنة. لعبتُ لثلاثة فرق محلية في عطلات نهاية الأسبوع. لعبتُ مع ليفربول خلال الأسبوع، وغالبًا في عطلات نهاية الأسبوع».
عندما كنت طفلًا، كنت أذهب وأنتظر عند أبواب ميلوود أو أنظر من خلال الشقوق في الجدار، فقط لأرى ما إذا كان بإمكاني رؤية أي من الأشخاص الذين كنت أتطلع إليهم، والذين كنَّا جميعًا نطمح إلى أن نصبح مثلهم، عندما كنَّا في دوري أبطال أوروبا، مثل جيرارد وكاراجر وألونسو.
لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في قيادة أرنولد إلى ليفربول يقول عن تلك الصدفة: إنها قصة طريفة. كنت في السادسة من عمري تقريبًا، وكان لدى ليفربول مخيم صيفي مجتمعي. أرسلوا بعض الدعوات إلى مدرستي وفئتي العمرية، وتحديدًا إلى صفي، وكانوا يسألون: «من يريد الذهاب؟». فرفع كل طالب في الصف يده كما تتخيل، فكانت الطريقة العادلة الوحيدة هي اختيار الأسماء من خلال قرعة، ولحسن الحظ تم اختيار اسمي.
ذهبتُ مع الفريق خلال إجازة منتصف الفصل الدراسي، وبعد نحو 30 دقيقة من بدء الحصة التدريبية الأولى، ذهب أحد الكشافين أو المدربين إلى أمي وقال: «هل تسمحين بتدربه مع ليفربول مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًّا من الآن فصاعدًا؟» ومنذ ذلك الحين، أصبحتُ لاعبًا في النادي.
قضى أرنولد طفولته وشبابه في أرجاء قلعة أنفيلد، وتدرج في الفئات السنية المختلفة حتى وصل إلى الفريق الأول عام 2016، ويحطم بعدها سلسلة من الأرقام القياسية خلال مسيرته مع «الريدز»، إذ أصبح أصغر لاعب يشارك أساسيًّا في نهائي دوري أبطال أوروبا، وأصغر لاعب يصل إلى 100 مباراة مع ليفربول، وأكثر مدافع تمريرات حاسمة في موسم واحد في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما حصل على عدد من الجوائز الفردية، بما في ذلك أفضل لاعب شاب في إنجلترا عام 2020، وأفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي الممتاز 2020، واختير في فريق العام من اتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين 2019 و2020، وتشكيلة فيفبرو العالمية للرجال 2020.
حقق أرنولد حلمه بتحقيق الألقاب مع ليفربول، بما في ذلك دوري أبطال أوروبا وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية عام 2019، والدوري الإنجليزي الممتاز مرتين وكأس الرابطة الإنجليزية 2022، وكأس الاتحاد الإنجليزي 2022.
لم تمنع النجاحات والنجومية المطلقة أرنولد من مواصلة العيش في منزل عائلته برفقة إخوته يقول عن ذلك: «إنها عائلة مترابطة للغاية. إنهم يعارضون انتقالي، لأنني أعتقد أن الكثير من اللاعبين الشباب يغادرون بسرعة كبيرة. يبدؤون بكسب دخل جيد، فيظنون أنهم قادرون على التأقلم، ثم أعتقد أن هذه هي اللحظة التي تبدأ فيها الأمور بالتدهور. أعتقد أن أمي وعائلتي يريدون مراقبتي عن كثب، ولا يريدون أن تتدخل الأمور في رأسي، لذلك أعتقد أنه في الوقت الجاري، حتى نتوصل جميعًا إلى اتفاق عام بأن لدي ما يكفي للانتقال، فسأكون عالقًا هنا».
وأضاف: «لولاهم لما كنتُ فيما أنا عليه الآن. كان من الرائع دائمًا أن أعود إلى المنزل وأتشارك اللحظات الجميلة والصعبة. إن مجرد تجربة كل شيء معهم ورؤيتهم فخورين بي أمرٌ لا يُصدق، عائلتي وأصدقائي والأشخاص المحيطون بي يُمكّنونني من التحلّي بالثبات وعدم التعالي. قيل لي إن هذا لا يُمكن أن يحدث لي. مهما بلغتَ من النضج، يجب أن تكون عقليتك سليمة».
يدين أرنولد خلال مسيرته بالكثير من الفضل إلى الألماني يورجن كلوب، مدرب ليفربول السابق، ويقول عنه: «إنه المدرب الذي نشأتُ تحت قيادته، وهو من منحني فرصي. كان دائمًا حاضرًا لدعمي، ولا يزال يُمثل لي أبًا حنونًا، إنه شخص صادق، وهي صفة يجب أن يتحلى بها جميع المدربين - يُخبرك فقط بما تحتاج إلى تحسينه وكيف يمكنك الانضمام إلى الفريق».
أوفى أرنولد بوعده لوالدته في أن يصبح مساهمًا في الأعمال الخيرية بمدينته وخدمة مجتمعه المحلي إذ يعمل سفيرًا تطوعيًّا لجمعية ساعد الآخرين الخيرية التي تتخذ من ليفربول مقرًا لها وتهدف إلى تقديم الدعم لأفراد المجتمع المحرومين من خلال سلال الطعام، والألعاب ودروس الطبخ والعلوم. يدعم ألكسندر أرنولد هذه الجمعية منذ أن عرّفته والدته على الجمعية في أعوام مراهقته، وتعهد بدعم المبادرة مع زميله كريس أوينز خلال فترة وجودهما في أكاديمية ليفربول، إذا أصبح أي منهما لاعبًا محترفًا. يمتد عمله الخيري إلى ما بعد الجمعية، ففي مارس 2019، وبعد توقيعه عقد رعاية أحذية جديد مع آندر آرمور «ثاني أكثر صفقات الأحذية قيمة في إنجلترا بعد هاري كين»، بدأ ألكسندر أرنولد في تنفيذ خطط لشراء أراضٍ في ليفربول لاستخدامها في إنشاء ملاعب مجتمعية جديدة.
في أبريل 2020، تعاون مع آندر آرمور لدعم الأطباء والممرضين والعاملين الأساسيين خلال جائحة فيروس كورونا حيثُ قدَّم أكثر من 2000 حذاء للعاملين في مستشفى رويال ليفربول الجامعي.
مع نهاية الموسم المنصرم ودع أرنولد مدينة طفولته ونادي أحلامه ليفربول بعد انتقاله إلى صفوف ريال مدريد الإسباني وهو الأمر الذي لم تتقبله جماهير الريدز ووصفته بالابن العاق للعملاق الإنجليزي بعد أكثر من 21 عامًا قضاها في قلعة أنفيلد.
غدًا، يخوض الفتى الإنجليزي أولى مواجهاته مع العملاق الإسباني في مونديال الأندية أمام الهلال السعودي وعليه أن يعيد لمركز الظهير الأيمن في النادي الملكي هيبته التي فقدها منذ رحيل كارفاخال وقبله الأسطورة سيرجيو راموس.