|




جيسوس.. طفل مشاغب.. وابن لحام غزاه الشيب في الملاعب

/media/article/2025/07/14/img/5668933064.png
الرياض - إبراهيم الأنصاري 2025.07.14 | 09:29 pm

في زاوية صغيرة من حي فيندا نوفا في منطقة أمادورا، إحدى ضواحي مدينة لشبونة البرتغالية، اعتاد جورجي جيسوس، المدرب البرتغالي الشهير، الجلوس مع أصدقاء الطفولة في مطعم صغير اشتهر بتقديم اللحوم، يستذكرون الأيام الخوالي وسنوات الصغر في الحي الذي كان شاهدًا على جميع ذكريات طفولتهم الشقية.
ولد جورجي فرناندو بينهييرو دي جيسوس في 24 يوليو عام 1954 من عائلة متوسطة إذ يعمل والده لحامًا، ووالدته ربة منزل تعنى بتربيته هو وشقيقه خوسيه المشاغبين، إذ كانت ممارسة كرة القدم في الأزقة والشوارع وسيلة الترفيه الوحيدة لأبناء ذلك الجيل حتى باتت تجري في عروقهم مجرى الدم، حتى عُرف جورجي الصغير بالهروب من نافذة المنزل وتسلق عمود الإنارة إذا حبسه والداه في المنزل وحرماه من لعب كرة القدم في شوارع الحي، الذي ينصب هو ورفاقه فخاخًا فيه لإبعاد البالغين الذين يُصرّون على المرور عبر وسط الملعب أثناء لعبهم.
خلال مراهقته أجبرت الظروف المادية الفتى الصغير على العمل مع والده في مصنع الكابلات حتى كاد يومًا أن يفقد إحدى عينيه من عمل اللحام ما دعى والده يخيره بين التفرغ للعمل في المصنع أو التفرغ لكرة القدم وكانت الأخيرة خياره المفضل.
انضم إلى أكاديمية سبورتينج لشبونة عام 1969، ليبدأ مسيرته كلاعب وسط، وخلال مسيرته كلاعب، التي استمرت حتى 1989، لعب في عدة أندية برتغالية مثل بنفيكا، فيتوريا سيتوبال، أونياو ليريا، بيلينينسيس، أولهانينسي، فارنسي، إستريلا دا أمادورا، وأتليتيكو كلوب دي بورتوغال، حيث شارك في 166 مباراة وسجل 14 هدفًا، وعلى الرغم من أن مسيرته كلاعب لم تكن استثنائية، إلا أنها شكلت أساسًا لفهمه العميق للعبة.
بعد اعتزاله اللعب عام 1989، بدأ جيسوس مسيرته التدريبية في 1990 مع نادي أمورا البرتغالي، وخلال التسعينيات، درب عدة أندية صغيرة مثل فيلجويرا، يونياو ماديرا، وإستريلا دا أمادورا، مكتسبًا خبرة تدريجية، وفي موسم 1995-1996، تولى تدريب فيلجويرا في الدوري البرتغالي الممتاز، وهي أولى تجاربه في الدرجة الأولى، ومع بداية الألفية، بدأ اسمه يبرز مع أندية مثل فيتوريا سيتوبال وبيلينينسيس.
في 2009، تولى جيسوس تدريب بنفيكا، وهي الفترة التي شهدت صعوده كمدرب بارز، حيث قاد الفريق لمدة ستة مواسم حتى 2015، وحقق خلالها ثلاثة ألقاب في الدوري البرتغالي أعوام 2010، 2014، و2015، وخمسة ألقاب في كأس الدوري البرتغالي، وكأس البرتغال مرة واحدة عام 2014، وكأس السوبر البرتغالي عام 2014، كما وصل إلى نهائي الدوري الأوروبي مرتين في 2013 و2014، وبعد مغادرته بنفيكا، تولى تدريب سبورتينج لشبونة من 2015 إلى 2018، حيث حقق كأس الدوري البرتغالي مرة أخرى عام 2016.
شهد العام 2018 أول تجربة للمحارب البرتغالي خارج أوروبا مع نادي الهلال السعودي، إذ قاد الأزرق لمدة ستة أشهر، وحقق كأس السوبر السعودي عام 2018، لكنه غادر في يناير 2019، وعاد إلى البرتغال لتدريب بنفيكا مجددًا في 2020-2021، لكنه لم يحقق ألقابًا خلال هذه الفترة.
بعد مغادرة لشبونة أبى العودة إلى القارة العجوز وقرر خوض مغامرة جديدة في البرازيل حين تولى تدريب فلامنجو، وقاده إلى تحقيق لقب الدوري البرازيلي وكأس ليبرتادوريس عام 2019، بالإضافة إلى كأس السوبر البرازيلي وكأس كاريوكا، وخسر نهائي كأس العالم للأندية أمام ليفربول، وفي 2022، درب فنربخشة التركي، وحقق كأس تركيا عام 2023.
عاد جيسوس إلى الهلال في يوليو 2023 لولاية ثانية، وقاد الفريق في موسم 2023-2024 إلى لقب الدوري السعودي دون خسارة، وكأس خادم الحرمين الشريفين، وكأس السوبر السعودي مرتين، كما حقق سلسلة انتصارات قياسية بلغت 34 مباراة متتالية، وحصل على جائزة أفضل مدرب في الدوري السعودي لموسم 2023-2024، وفاز بجائزة مدرب الشهر خمس مرات متتالية بين أكتوبر 2023 ومارس 2024، لكن في موسم 2024-2025، واجه تحديات مع سلسلة من النتائج السلبية، حيث خسر أمام الاتحاد 1-4، والأهلي 2-3، وكانت خسارته أمام النصر الغريم التقليدي 1-3 هي الضربة القاضية، ما أدى إلى إنهاء تعاقده مع الهلال في مايو 2025، حيث تولى محمد الشلهوب تدريب الفريق بعده.
يقول باولو خورخي، قلب الدفاع السابق لنادي براجا البرتغالي عن جيسوس:«هو ليس الشخص الأكثر حساسية في العالم، لكن لديه ميزة كبيرة: فهو يدافع عن أسلوب كرة قدم يُرضي اللاعبين، وبالتالي يُحفزهم بشكل طبيعي، في أعماقه، يعرف كيف يُحفّز لاعبيه دون أدنى فكرة عن كيفية تحفيزهم. يعرف كيف يُشعرهم بالراحة والبهجة من خلال هتافاته وإشاراته على طول الخط. يعلم، كما قال خورخي فالدانو ذات مرة، أن أي فريق لا يُمتع الجمهور إذا لم يشعر اللاعبون أنفسهم بأنهم يستمتعون».
أكثر من 25 عامًا قضاها الرحالة البرتغالي في 15 ناديًا مختلفًا من أرجاء العالم، بعزيمة من حديد وصلابة لا تقهر حيث تراه في كل مرة على جنبات المعشب الأخضر شاب رأسه ووهن عزمه وخارت قواه وكأن لسان حاله يردد البيت العربي الشهير: «فَمَا شَابَ رَأْسِي مِنْ سِنِينَ تتَابَعَتْ، وَلَكِنْ شَيَّبَتْهُ الوَقَائِعُ أو الملاعب».


جيسوس.. طفل مشاغب.. وابن لحام غزاه الشيب في الملاعب