|




عبد المحسن القباني
إعلام بلا رواتب
2025-08-02
في أحد البرامج المسائية، صرّح ضيف بأنه يعمل في الصحافة الرياضية دون مقابل مادي. لم يكن تصريحه صادمًا بقدر ما كان كاشفًا، لا سيما حين أضاف أن هذه الحال تشمل نحو 95% ممن يعرفهم في الميدان. قالها بصوت هادئ، وبثقة من لا ينتظر تضامنًا ولا يطلب تعويضًا، بل يكتفي بالإشارة إلى واقع لا يُناقَش كثيرًا. يتطوع محبة في الميدان.. وفي ناديه وطمعًا في جماهيره.
قالها ونحن نقف اليوم على مشهد رياضي سعودي حيوي، يتقدّم بخطى واسعة نحو العالمية، عبر استضافة بطولات دولية كبرى، واستقطاب أسماء لامعة، وتهيئة بنى تحتية تنافسية. ووسط هذه الديناميكية المتصاعدة، لا يمكن تجاهل أحد أركان المشهد: الإعلام الرياضي. فهو ليس مجرد ناقل، بل شريك في الصياغة، ومؤثّر في الفهم، وصانع للرأي العام، وناقل للرواية. غير أن هذا الشريك لا يبدو في أفضل حالاته، ولا حتى في الإيمان به، وكأن الطموح ارتفع في كل شيء واستثنى هذا القطاع.
ترتقي قطاعات متعددة في السعودية إلى مستويات مؤسسية عالية، مدعومة بنماذج حوكمة وتمويل طموحة، بينما لم يشهد الإعلام الرياضي نقلة مماثلة من حيث جاذبية العمل فيه، وضمان الحقوق، وتكافؤ الفرص، وتطوير بيئة العمل. فعدد غير قليل من الصحافيين والمراسلين والمصورين لا يحظون بعقود واضحة، ولا برواتب منتظمة، بل يعملون وفق ترتيبات فضفاضة تفتقر للحد الأدنى من المهنية والاستقرار.. أو حتى بالمجان! كيف سيقف صحافي أمام رئيس نادٍ أو مدرب أو لاعب يعرف أن الذي يسأله متطوع، أو يعمل بدخل معدم أو زهيد؟
لسنا هنا بصدد المبالغة، ولا المقارنة المجحفة، بل الدعوة إلى التفكير. كيف يمكن أن نبني بيئة إعلامية متقدمة، ونحن لا نضع على الطاولة نقاشًا جادًا عن هذا الإشكال؟ وهل من المنطقي أن نتوقّع محتوى تحليليًا عميقًا، وسبقًا خبريًا، وتحقيقات رصينة، ودحضًا لشائعات، في ظل أزمة أغلب المؤسسات المالية أو تواضع استراتيجية مشاريعها الربحية؟
لقد اختارت الدولة مشكورة أن تستثمر بسخاء في مجالات ليست ربحية في ظاهرها، كالفنون والموسيقى، إيمانًا بقيمتها المجتمعية والثقافية. فلماذا لا يُدرج الإعلام الرياضي ضمن هذا التوجّه؟ أليس من الأجدر أن ننظر له بوصفه مكوّنًا من مكوّنات المنظومة الرياضية والثقافية، لا مجرد هامشٍ يكتفي بنقل النتائج والتصريحات؟، فالإعلام ابن بيئته ومنظومته، ولذلك يجب أن تساعد المنظومة على نهوض الصحافة وجاذبيتها لا سيما وأنها ساهمت في تكبيلها من النمو الطبيعي.
لا يمكن للتطوع وزهد الدخل أن يكون الأساس الذي نبني عليه مستقبلًا إعلاميًا محترفًا يواكب طموح المرحلة. فكما لا يمكن تخيّل رياضة محترفة بلا أندية مهيكلة ولا منشآت مؤهلة، لا يمكن كذلك تخيّل مشهد رياضي ناضج بلا إعلام يُدار بمعايير احترافية رفيعة، تحفظ للصحفي مكانته، وللمحتوى قيمته، وللجمهور حقّه في المعرفة المتزنة. من قال إن إعلامنا الرياضي قوي؟