خالد الربيعان
العالم الخفي
2025-08-31
القطاع الرياضي بكل أطيافه يحتاج إلى عقول نيرة، مثابرة، طموحة، تحمل همَّ الوطن وسمعته، وتسعى إلى الإبداع في كل تفاصيله. تلك العقول التي لا تكلّ ولا تتعب من النجاح، هي ما يصنع الفارق ويؤسس للإبداع الحقيقي. لذلك نرى أن كثيرًا من دول العالم مؤخرًا بدأت في ابتكار أساليب جديدة لإدارة رياضتها، خاصة فيما يتعلق بصناعتها وتحويلها إلى رافد اقتصادي متجدد.
صناعة الرياضة ليست لعبة في الملعب فقط، بل عالم كامل يتطلب تفكيرًا عميقًا ليصبح فاعلًا في اقتصاد الوطن. اتحاداتها بلجانها، وأنديتها بإداراتها، وعالم الأعمال من خلفها، كلها تصنع منظومة متشابكة. نرى أندية عالمية تبتكر في استغلال جماهيريتها الطاغية مثل ريال مدريد، وأخرى تبني مستقبلها عبر أكاديمياتها وبيع عقود لاعبيها كـ بورتو وتشيلسي، بينما فرق أخرى تستثمر في بقائها بين الكبار وما يدره ذلك من عوائد على مرافق النادي وكوادره، وهناك من يراهن على الأفكار الخلاقة كـ دورتموند الألماني، ليجعل من النادي علامة في عالم الاستثمار الرياضي. خلف كل ذلك اتحادات مرنة تسهّل الإبداع وتدعم سمعة الرياضة.
أما أنديتنا.. وما أدراك ما أنديتنا! لا تزال حتى الآن تتكئ على عباءة الوطن، لكن هذا لا يمنعها من الإبداع. أقولها بصراحة: لن يبدعوا ولن يخلقوا الجديد بوجود بعض الرؤساء الحاليين، إلا من رحم الله. التدخلات العشوائية وضعف الإلمام بمنظومة صناعة الرياضة جعلتنا ندور في حلقة مفرغة من الديون والمشكلات.
وهذا ينطبق أيضًا على الاتحادات واللجان الرياضية، وعلى من يديرها من بعض العقول التي لا تعمل بروح الوطن كما يعمل سمو سيدي ولي العهد ومن خلفه قائد الرياضة. بل على العكس، كانت سببًا في أزمات قانونية داخلية أو خارجية جرّت الرياضة السعودية إلى صراعات في أروقة المحاكم المحلية والدولية، ودفعتنا ثمن غياب الفكر والرؤية. ولهذا نحن أمام أزمة «عقول نيرة» غائبة عن ركل الكراسي الدائرة وإحداث التغيير.
العالم الخفي في رياضتنا هي الكوادر النيرة المهمشة. لدينا الكثير من الأسماء المتكررة الفاشلة في اللجان والمناصب منذ عقود، حتى المنظومة الإعلامية نفسها لم تتغير. هؤلاء من يؤثرون في القرار، يرفعون أشخاصًا ويُسقطون آخرين. وهنا تكمن الحاجة إلى وقفة حازمة، لإفساح المجال أمام أصحاب الأفكار الخلاقة والعقول الشابة التي تحرك عجلة الإبداع وتعيد تعريف صناعة الرياضة.
أزمتنا في الرياضة السعودية ليست مالًا ولا دعمًا، فالحمد لله وطننا يقوده سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برؤية 2030 التي جعلت الرياضة صناعة حقيقية وركيزة اقتصادية وتنموية. أزمتنا الحقيقية هي أزمة إحلال العقول: عقول تجاوزها الزمن، عقول مشغولة بتصفية الحسابات مع بعضها كما اللجان القانونية كمثال صغير، أو عقول جاهلة لا تعرف من الرياضة إلا اسمها.
أخيرًا لا بد من أن أختم بمقولة جميلة لبنجامين فرانكلين التي كثير ما أتأملها وأراها تجسد واقعنا الرياضي:
«معظم الناس يموتون عند الخامسة والعشرين، ويدفنون عند الخامسة والسبعين»
هكذا حال العقول النيرة، نقطة آخر السطر.