كلما قرأت حكاية عجيبة كلما تأكدت من جنون العالم، لا يُعقل أن يتعلم الإنسان منذ طفولته إلى شبابه، يحفظ ويفهم دروسه، يتقدم للاختبارات وينجح، يحصل على شهادة عليا، يحتفل معه أهله الذين نجحوا في تربيته وإيصاله لهذه المكانة التعليمية، ثم يقوم هذا الشخص بعد سنوات بشراء حجر على أنه حيوان أليف! سأحكي لكم، وهي من الحكايات التي يتم تداولها عن شخص يُعتبر مخادعًا، لكني لم أعتبره كذلك، فقد وجدت تفسيرًا لما فعله، رغم أني لا أتفق معه فيما فعل. الأمريكي غاري داهل كان مندوب مبيعات، منتجاته جيدة ومفيدة، لكن الناس كانوا يرفضون الشراء، حاول بعدة طرق أن يشرح للزبائن مواصفات منتجاته، قدم لهم عدة عروض، لكن ما حققه من مبيعات منخفضة جعله مندوبًا فاشلًا عند إدارة الشركة! كان يرى منتجات أخرى أقل جودة تحقق مبيعات عالية، وكان يتساءل: إذا كنت ما أبيعه أعلى جودة، فلماذا يشترون الأقل جودة وبسعر أعلى؟ فهم أن الغالبية تتبع المنتج الأشهر وليس الأجود، وأن الناس تميل لشراء الأشياء الغريبة حتى وإن كانت بلا فائدة. في أحد الأيام وأثناء جلوسه محبطًا، سمع رجلين يتحدثان عن صعوبة تربية الحيوانات الأليفة، لما تتطلبه من مصاريف وتنظيف ومراجعات للأطباء البيطريين. ولأنه اقتنع أن عالم التجارة لا يحكمه المنطق، فكر في التسلل من الجزء المجنون في عقول الناس، أولئك الذين يتبعون «الترند» لأنه «الترند» وليس لأنهم مقتنعين بفائدته وميزاته، قرر غاري بيع الصخور على أنها حيوانات أليفة، وضع كل صخرة في علبه صغيرة أنيقة، مع فتحات صغيرة لكي يتنفس الحيوان الأليف، ثم قدمها للأسواق مع بعض الإعلانات التي تصف ميزة تربية حيوان لا يتطلب رعاية صحية، ولا أية تكاليف أخرى، وحدد سعر 3.5 دولار ثمنًا للحيوان الأليف الظريف، مع صفحة فيها بعض التعليمات لرعاية الحيوان. ماذا حدث؟ تسابق الناس لشراء الحيوانات الجديدة، وباع في مدة قصيرة 1.5 مليون صخرة، ليتحول إلى مليونير! عندي قناعة أن أكثرية الناس لا تتخذ قراراتها بنفسها، تتصرف بتأثير الأكثرية، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة «الترند». قبل مدة ظهر ترند عالمي عبارة عن دمية قبيحة بألوان مختلفة، اسم الدمية «لا بو بو»، دمية لا جمال فيها، أشبه بتلك الألعاب المخيفة، لكنه حكم الترند، والترند إذا حكم فلا أحد راد لكرته الثلجية التي لا تتوقف عن التضخم. في العام 2024 باعت الشركة الصينية المصنّعة بما يقارب 870 مليون دولار، وفي النصف الأول من هذا العام باعت بحوالي 670 مليون دولار. معظم من اشترى الصخرة ودمية لابو بو متعلمون وبتوع مدارس، وأحدهم على استعداد لمناقشتك في أي شأن إلى حد الصبح، وقد يكون فاهمًا مختصًا، وعندما تبحث عن تفسير لشرائه للصخرة على أنها حيوان أليف، لا تجد تفسيرًا سوى أن الجنون جزء لا يتجرأ من هذا العالم.