عبد المحسن القباني
الانصراف عن روشن
2025-09-13
أولم لنا صديق ما لذ وطاب لقضاء أمسية افتتاح موسم 2023. اجتمعنا لمشاهدة الأهلي وضيفه الحزم، وكأنها مباراة لا تفوت، وحدث سيتحدث عنه المجتمع. كلنا تحمسنا إلى رؤية محرز وفيرمينو للمرة الأولى. مجددًا وقبل أسبوعين أبديت حماسة لهذا الموسم وكتبت مقالًا بعنوان «ستون مباراة من العزلة» أعلن فيه استعدادي لمتابعة أغلب دوريات العالم. لكن ماذا حدث؟ الحقيقة أني لم أتابع سوى مباراة واحدة من السوبر السعودي، ونصف مباراة من الدوري الألماني ونصفًا آخر من الدوري الإنجليزي. هل رفعت سقفي ففقدت الشغف مبكرًا؟

ما أمر به يشبه حالة أحد الأصدقاء. يبوح لي بقوله: «.. لم أعد أكترث بالدوري السعودي. أشعر بصعوبة في فهمه. ولم أعد ألجأ إليه للتسلية»، سألته لماذا؟ فقال: «الكثير من قرارات اتحاد القدم جعلت من اللعبة السهلة صعبة، ولم أعد أستحسن الطرح الإعلامي في برامج المساء، وهذان عاملان كافيان كي أتورع عن روشن».

لا يظهر أن هذا الصديق تعرض للإجهاد الكروي مثل حالتي، بل إجهاد منظومة كرة القدم المحلية. فشخص مثله يلجأ لمتابعة الرياضة لأنها روتين معروف. من المواعيد، للأندية ولاعبيها وعدد أجانبهم وأسمائهم، لاسم الناقل ومنصاته وطرق المشاهدة والسداد، لقرارات اتحاد القدم. لكن كل ذلك تغير عليه، وبات عليه إدخال عملية عقلية لفك ألغاز كل شيء. لا يعرف لماذا السوبر في هونج كونج، ولماذا القادسية فاز بالمباراة ولم يلعب النهائي، وما الذي استقر عليه اتحاد القدم بشأن عدد الأجانب، وكم من لاعب جديد حل في الدوري، وماذا حل بالمواليد؟ وما هو دوري 21 ومن يلعب فيه؟. لم تساعده المنصات ولا برامج المساء في فهم أي شيء.. فقرر الانصراف.

لا يكمن الإشكال في اللعبة نفسها، بل في البيئية المحيطة بها. فالمشجع مثل المستثمر يبحث عن بيئة مستقرة يلجأ إليها. لذلك يشاهد كرة القدم كل سنة لأنه يفهمها، لكنه لا يتنقل بين مختلف الألعاب كل موسم. لقد تحولت الكرة السعودية من مجرد ترفيه إلى سلعة معقدة تتطلب فهمًا مستمرًا للوائح المتغيرة والقرارات الإدارية، ما يخلق حاجزًا بين المشجع والمنتج. هذا التعقيد يتماشى مع مفهوم العبء المعرفي، حيث يتطلب الاستهلاك جهدًا عقليًا إضافيًا، ما يحض المشجع على التخلي عن المنتج عندما يرتفع هذا الجهد لمستوى لا يتناسب مع المتعة. واليوم من سيلحق بقافلة صديقي المنصرفة عن روشن؟