ينضج عقل الإنسان، لكنه يدفع ثمن نضوجه بكثرة التجارب المؤلمة، يحصل على سمعة طيبة، لكنه يدفع مقابل ذلك انضباطًا وصبرًا على الأخلاق الحميدة، يثق الناس في التاجر بعدما يقدم أمانته مهرًا للثقة، يكوّن الأب علاقات جيدة مع أبنائه إذا أعطاهم وقته واهتمامه، ينجح الموظف إذا التزم بأوقات عمله وحسن تعامله مع زملائه، ينجح الرياضي إذا قضى أوقاتًا طويلة في التدريب، ويتفوق الطالب إذا أعطى ساعات من وقته كل يوم للمذاكرة. لا شيء يشكل لغزًا في الحياة، لكل شيء ثمن، لكن بعض المتذمرين لا يريدون دفعه، حتى أولئك الذين قيل عنهم بأنهم محظوظون دفعوا الثمن عندما تمكنوا من استغلال الفرصة. قرأت عن السيارة، التي حققت المبيعات الأكثر لمرسيدس، وذهلت عندما علمت أن الأبحاث والتجارب، التي تطلبت التحضير لتصنيعها، استغرقت ثلاث سنوات، وتكلفة قاربت المليار دولار، عندما كان المليار مليار، نتج عن ذلك الموديل الأكثر مبيعًا وإعجابًا وشهرة. لم يكن مشروع هدر مال، بل ثمن النجاح الذي يجب دفعه. في الموسيقى هناك أثمان، فرقة الأوركسترا تتدرب شهورًا لإحياء حفلة واحدة، تضم أفضل الموسيقيين، وأفضل الآلات الموسيقية صناعة، ثم تعزف لساعتين أو ثلاث، لكنها ساعات تستحق التصفيق الطويل. قبل سبع سنوات تقريبًا بحث في إحدى المدن الإنجليزية عن نجار ليصنع لي طاولة صغيرة بمواصفات معينة، وجدت منجرة، وتفاجأت عندما دخلت بوجود ديكورات فائقة الجمال، علمت أنها لمسرحية ستعرض في عدة مدن أوروبية، ثم وبعد الحديث مع صاحب المنجرة فهمت أنه مختص بتصميم ديكورات المسارح، وفهمت أيضًا أن العمل الذي أشاهده تطلب 6 شهور، وعناية فائقة لنقله وتركيبه ونقله مرة أخرى، حينها تذكرت بعض الأصدقاء، الذين تحدثوا عن اندماجهم الكامل مع عروض المسرح، التي حضروها، وأدركت أن تلك المسرحيات استطاعت أن تفصلهم عن العالم الخارجي، الذي لا يبعده عنهم سوى جدار المسرح. يظلم الإنسان نفسه عندما يسعى للحصول على شيء ما، لكنه لا يريد دفع ثمنه، يتوهم أن حظه إذا صار جيدًا سيصنع له المعجزات، الحظ يساعد المثابرين بصدق، إما إذا جاء صدفة لغير المستعدين فإنه جاء ليذهب، وليترك الحسرة في قلوب من أضاعوه.