أحمد الحامد⁩
دموع ويوتيوب
2025-09-24
إما أني أصبحت ممَّن يملُّون الأشياء بسرعةٍ، أو أن الأشياء أصبحت استهلاكيةً ولا تصمد! حتى الأغاني الجديدة التي تعجبني سرعان ما أملها بعد أيامٍ! مللت من أغنية فضل شاكر «صحاك الشوق» مع أنها جديدةٌ، ولا أدري إن كان الملل لكثرة ما سمعتها في «السوشال ميديا» أم لسببٍ آخر؟! لا أظن ذلك، لأنني بعد زيارتين إلى البحر خلال أسبوعٍ، شعرت بالملل! حتى السيارة التي استأجرتها لأيامٍ مللتها سريعًا على الرغم من أنني كنت أراها جميلةً! قد يكون الأمر مرتبطًا بالروح، إذ ربما انخفض حماسها، فانخفض اهتمامها وهمَّتها. أعرف أن ذلك مؤشرٌ غير جيدٍ، لأن الإنسان بلا روحٍ حيويةٍ، يفقد الحماس لكل شيءٍ، وهذا ما لا يجب الاستسلام له، والأمر أشبه بالفرق الكروية التي تلعب بروحٍ عاليةٍ، وتستطيع أن تتعادل، أو تفوز على أكبر الفرق، أمَّا إذا فقدت الروح فقد تخسر من أضعف الفرق 0ـ10!
رأيت الدموع في عينيه، وهذه المرة الأولى التي أراه باكيًا. عرفته قويًّا رقيقًا، صلبًا حنونًا. يصعب على الرجل خسارة حياته الزوجية بطريقةٍ لا إنصاف فيها. قال: أكثر أوقاتي معها كانت سعيدةً. تزوَّجنا ونحن في العشرينيات من عمرنا، وسافرنا وأقمنا في أكثر من دولةٍ، وأحببنا بعضنا بشدةٍ. بلغت لغتنا الفهم بالنظرات، وقفنا سويًّا وقفات محبين حقيقيين، كل شيءٍ هُدِمَ بمجرد تعرُّفها على امرأةٍ لا تحب رؤيةَ البيوتِ سعيدةً!
لليوتيوب وجهان، مليءٌ بالمتعة والفائدة، برامجُ وثائقيةٌ، وحواراتٌ عميقةٌ، ودروسٌ تعليميةٌ، ومكتبةٌ غنائيةٌ لا تنتهي. في المقابل، أتاح يوتيوب المجال لأشخاص مجانين، ليقدموا أنفسهم بوصفهم محللين سياسيين لديهم الجرأة للقول إنهم يكشفون في برنامجهم ما دار في الاجتماع المغلق بين ترمب وبوتين! أو إلى أين ستنتهي التغييرات في خريطة الشرق الأوسط الجديد! ومع كل فشلهم في تحاليلهم وتوقعاتهم تراهم مستمرين، ومشاهداتهم في ارتفاعٍ، ويتلقون المديح من جمهورهم! هناك نسبةٌ كبيرةٌ من الجمهور العربي ما زالت تعشق الخطابات الرنَّانة، والأحلام غير المنطقية! ويفضِّلون مَن يعزز لهم اعتقاداتهم حتى وإن كانت غير واقعيةٍ. يوتيوب مثله مثل بقية الأشياء النافعة هناك مَن يأتي ليستخدمها بصورةٍ مضرَّةٍ.
آرثر شوبنهاور: من الصعب أن تعثر على السعادة بداخلك، لكنْ من المستحيل أن تجدها في أي مكانٍ آخر.