أحمد الحامد⁩
كلام ويكند
2025-10-03
جاء صوته من بعيد: ألووو..، هي نفس الألوو لم تتغير منذ أول مرة سمعته يقولها قبل أكثر من 30 عامًا، وكأنه عقد معها اتفاقًا أبديًّا ألا يستبدلها بمرحبا أو السلام عليكم، وللأمانة فقد ميَّزها عندما مد فيها الواو بشكل مبالغ فيه، لكنك كمستقبل للمكالمة ستنسى المبالغة عندما تعتادها منه، وستعرف من المتصل فورًا. بمجرد أن استمعت للألووو عرفته فورًا، ورحنا نستعيد ذكرياتنا التي أصبحت حقيقة قديمة، لأننا كبرنا فعلًا، فكبرت معنا التواريخ.
قال بعد حديث مطوّل: سأعرض عليك هذا العرض المغري، لن أقدمه سوى لك ولصالح ـ صديق مشترك ـ أمامي شقة من ثلاث غرف للبيع، وكما تعرف أنا رجل وحيد وتكفيني غرفة وصالة، هل تعدني إذا اشتريت الثلاث غرف أن تزورني وتقيم في إحدى الغرف يومًا أو يومين كل أسبوعين أو ثلاثة؟ صمتُ ولم أجبه لأني رحت أفكر بالسبب الذي جعله يفكر بهذه الطريقة، ثم أضاف: انظر.. أنت وصالح بحاجة لي كما أنا بحاجة لكم، لأن ذكرياتنا واحدة، صدقني لن تجدوا أحدًا يستعيد معكم ذكريات المكان والزمان والأشخاص مثلما أستعيدها معكم، بعد سنوات قليلة سنكون جميعًا غرباء أمام أشخاص لا ذكريات معهم، هل فهمت لماذا وصفت العرض بالمغري؟.
حضرت مباراة، كنت والأخ محمد قريبين من الملعب، ولحسن الحظ كانت المباراة مثيرة مليئة بالأهداف من الجانبين، لا يمكن لمباراة أن تكون مثيرة إن لم تكن فيها نديّة، ومع اعتقادي أنني تعرفت على الأخ محمد بشكل جيد، مع أن كل الأوقات التي قضيتها معه كانت هادئة، ولم يربطنا فيها عمل مشترك، لكني اكتشفت ونحن على المدرج شخصية مختلفة عن التي أعرفها، كان يقف مع كل بداية هجمة يوجه اللاعبين بصوت لا يقل عن درجة الصراخ: يا فلان ادخل ادخل عشان يمرر لك.. ادخل الله يل..، يا فلااان ارجع.. ارجع.. خلك معاه لا تتركه! كان كلما سُجل في فريقنا هدف أو نجونا من هدف كان ينظر نحوي بعيون شاخصة ويقول بانفعال: شف.. شف والله فوضى وما يفهمون.. والله لو أنزل ألعب أحسن منهم.. وربي أحسن منهم. بالنسبة لي مشاهدة المباريات في الملعب متعة أفضّلها على التلفزيون، إلا هذه المباراة التي عرفتني على شخصية محمد بشكل مختلف، شخصية لن تكشفها الأوقات الهادئة التي التقينا فيها. في طريق العودة سألته: محمد أنت جاد لما قلت إنك تلعب أحسن منهم؟ أجاب دون تردد: إي والله! فلم أتردد أنا أيضًا: صحيح.. تلعب أحسن منهم والدليل كرشك!
ميخائيل نعيمة: ليس أبغض على الناس من أن يروا إنسانًا يفلتُ من أقفاصهم ويُحلّق بعيدًا عنهم. ولا أحب إليهم من أن يُصعق ذلك الإنسان فيخر صريعًا.