جبر الشايقي
«متى وكيف»
2025-10-07
في عالم مزدحم بالأصوات والرسائل والأخبار والصور، لم يعد المهم أن تقول ما تريد فقط، بل أن تعرف «متى» و«كيف» تطرحه وتقدمه على طاولة المشهد العام.
إنّ الكلمات المجردة في جوهرها تعد طاقة، فما بالك وهي تحمل في ثناياها خبرًا مفيدًا أو معلومة جديدة ستكون بلا شك طاقة مضيئة، إمّا أن تُهدر إذا أسيء استخدامها، أو تُحدث فرقًا هائلًا إذا وُضعت في مكانها الصحيح.
يُروى أنّ رجلًا أعمى جلس على جانب الطريق واضعًا قبعته أمامه وبجانبها لوحة كتب عليها: «أنا أعمى… ساعدوني». لم تكد القبعة تحتوي إلا على قروش قليلة، حتى مرّ به رجل آخر، توقّف قليلًا، ثم وضع بعض النقود، وأخذ اللوحة ليكتب عليها عبارة مختلفة قبل أن يمضي، وبعد وقت قصير لاحظ الأعمى أنّ قبعته امتلأت بالنقود، فسأل أحد المارة عمّا كُتب، فقيل له: «نحن في فصل الربيع… لكنني لا أستطيع أن أرى جماله».
هذه القصة البسيطة تختصر سرّ التأثير ليس في المعلومة وحدها، بل في التوقيت والصياغة معًا، حيث جمع حفاوة فصل الربيع ليخبرهم بأنه لا يراه، وهذا بالضبط ما يجب على الإعلامي الرياضي أن يتقنه في زمن لم يعد دوره مجرد ناقل للأخبار، بل في ممارسته علمًا قائمًا له قواعده ونظرياته لفهم الرأي العام والتأثير فيه.
إنّ من بين الرؤى ما يُعرف بـ «نظرية متى وكيف»، وهي إطار تحليلي يركّز على عنصرين أساسيين: «متى» التي تتعلق باللحظة المناسبة لبث الرسالة الإعلامية، وقوة الخبر قد ترتبط بزمان وصوله أو حساسية توقيته أو ملاءمته للسياق، و«كيف» التي تشير إلى طريقة عرض الرسالة والوسيلة والأسلوب، الذي تُقدَّم به، من لغة مباشرة أو عاطفية أو تحليلية، واختيار المنصة أو الوسيلة، التي تضمن وصولها إلى الجمهور المستهدف بالطريقة الأكثر تأثيرًا.
لذا يجدر بإعلامنا الرياضي المعاصر، إضافة إلى سباق الظفر بالسبق الصحافي، مراعاة اللحظة والأسلوب الأكثر تأثيرًا، لكي لا تهدر الرسالة الإعلامية بشكل سلبي أو يساء استخدامها، الحقيقة أن الرسالة الإعلامية لا تُقاس فقط بما تحتويه من معلومات، بل بقدرتها على أن تلامس المتلقي في الوقت المناسب وبالطريقة التي تفتح له أفق الفهم والتفاعل.
وتبرز الحاجة الملحة إلى أن يتحلى الإعلامي الرياضي بوعي كامل لفن قراءة المشهد والاطلاع على تفاصيله، ويدرك أن التأثير الحقيقي يولد حين تجتمع «متى» مع «كيف» في رسالة واحدة تحمل المعلومة بروحها وأثرها، لا بمجرد صورتها الجامدة، لتزدحم مع بقية الرسائل والأصوات دون تأثير.