في الوقت الذي أُعلن فيه عن فوزه بجائزة نوبل للطب، كان الأمريكي فريد رامسديل في رحلة مشي في الطبيعة، بعيدًا عن شبكات الاتصال، وزحمة الشوارع، وأضواء المدينة، لذا كان آخر من يعلم بفوزه. والحقيقة أني لم أهتم بما قدمه من علم نال به جائزة نوبل رفقة اثنين من زملائه، لأني لا أعرف شيئًا في الطب، ما لفت نظري هو ابتعاده عن شبكات الاتصال، وانغماسه بالطبيعة بعيدًا عن الصخب، وهو الطبيب المشهور حتى قبل نيله للجائزة الشهيرة. أعجبتني سيطرته على وقته، وأنه يقضيه باختياره، لا مجرورًا خلف ما يبعده عن رغبته وهواياته. لو كنتُ طبيبًا مشهورًا لملأت الدنيا تنظيرًا، وزاحمت الناس في المؤتمرات، وأشبعت نفسي مديحًا وإطراءً، ربما لن أفعل ذلك كي لا أظلم نفسي، لكني لن أثق بها أمام تيار الغرور وكل محفزاته، فيما لو كنت فعلًا طبيبًا على مستوى عالمي. تعرفت في مجال الإذاعة على مغنين في بداياتهم، كانوا شديدي اللطف وهم في خطوتهم الأولى، يفيض منهم الأدب والذوق الرفيع والخجل، وبمجرد أن حققوا النجاح والشهرة السريعة، بفضل من كتب ولحن ودفع مصاريف تسجيل الأغاني، صاروا يظنون أنهم شخصيات مهمة، فصعبُّوا الوصول إليهم، عليك أن تتصل بالسكرتير أولًا لتتحدث معهم، لا يخطون خطوة لا مال فيها، يسكنون ويأكلون بالمجان، أرواحهم لم تتحمل الشهرة والفلاشات، فقدوا حقيقتهم، حقيقة أنهم مجرد مغنين بأجر. ما زلت أذكر عندما زار القناة فنان عربي لتصوير حلقة تلفزيونية، يحيط به فريق من المرافقين، يحملون أجهزتهم مثل حراس الرؤساء الذين يحملون أجهزة اللاسلكي، كان بعضهم يركض ليؤمن الطريق أمنيًا! كان المغني يمشي بخيلاء لا سابق لها، ثم ماذا.. ظهر في الحلقة التلفزيونية ليغني دبك دبك دبيكي! عندما انتهت الحلقة وغادر، ظهر في المجلات مشتكيًا من تقصير المضيفين، وأن تجهيزاتهم لاستقباله لم تكن بالمستوى المطلوب، فعلًا لم تكن بمستوى دبك دبك دبيكي! لا أقصد طبعًا كل المغنين، أقصد أولئك الذين لم يتحملوا شهرتهم لضعف نفوسهم. فريد رامسديل الذي خدم البشرية، حصل على أكبر جائزة طبية دون أن يدري، لأنه كان يستمتع فيما هو أهم من الشهرة، أسلوب حياته الهادئ، والمليء بالثقة والسكينة.
إميل زولا: الغرور علامة على صغر العقل.
إميل زولا: الغرور علامة على صغر العقل.