تغريدات «إكس» في الأيام الماضية أشعلتها تصفيات كأس العالم، ولا أعتقد أن هناك منصة مثل «إكس» تحلو فيها المباريات بالكلمات. الحمد لله أن الأخضر تأهل، الآن أصبح لكأس العالم «2026» قيمة أعلى عند جمهور الأخضر، وشوق أكبر، حتى أني قرأت أن أحدهم كتب بعد التأهل مباشرةً: ها متى كأس العالم.. لا يطول علينا. أغنية «صحاك الشوق» لفضل شاكر حققت نجاحًا غير مسبوق، لا أذكر أن أغنية بقيمتها الفنية نفسها حققت نجاحًا عربيًا في السنوات العشر الماضية.
كُتب عن الأغنية وفضل الكثير، لكن أهم ما قرأته غرد به الكاتب رجا ساير المطيري «الأغنية الجديدة لفضل شاكر كشفت بأن سوء الأغنية العربية ليس لأن الجمهور اختلف، أو أن المواهب شحَت، أو أن الذوق العربي تغير، بل ببساطة لأن نجوم الأغنية أصابهم الكسل، وسلكوا الطريق الأسهل والمضمون لتحقيق المال قبل الفن. فضل شاكر بتكلفة بسيطة، لكن بوعي كبير، تمكن من المحافظة على قيمته ومكانته، وأثبت أن الجمال مسألة وعي وفكر وذوق، وهذه أشياء لا تُشترى». حساب روائع الأدب الروسي يقدم خدمة كبيرة عندما يترجم لنا الروائع الروسية، نجاح حسابه يكمن في انتقاءاته العميقة الرائعة، نشر قصة قصيرة ليوري كازاكوف «الثلج الأخير»، كتبها في خمسينات القرن الماضي، قصة تسكن ذاكرتك منذ قراءتها الأولى، وتشعل خيالك في تصور تفاصيلها وأبطالها. «كانت بطرسبورغ في أواخر آذار، حين يذوب الثلج، لكنه لا يرحل تمامًا، كأنه متردد بين البقاء والغياب. على ضفة نهر نيفا، جلس أندريه بافلوفيتش فوق مقعد خشبي، يرتجف من البرد أكثر مما يرتجف من الفكرة التي تسكن رأسه منذ أيام: هل كانت تضحك معه حقًا، أم كانت تضحك منه؟
قبل أسبوع فقط، كان يظن أن قلبه وُجد ليُحبّ إيلينا نيكولايفنا وحدها. كانت تبتسم له بطريقة لم يجرؤ على تفسيرها، وتستمع إلى حديثه الطويل عن الكتب والحرية والملل، كأنها تفهمه. لكنه حين جمع شجاعته أخيرًا وكتب لها رسالة حب مرتعشة الحروف، لم يتلقَّ منها سوى ردّ قصير، مؤدّب حد القسوة:
«أقدّرك كثيرًا، لكن قلبي في مكان آخر». منذ تلك اللحظة، لم يعرف أندريه كيف يتنفس كما كان من قبل. صار كل صوت في المدينة يؤذيه: خطوات المارة، ضحكات العشاق، صرير العربات على الجليد المذاب. كان يشعر بأن العالم كلّه يواصل الحياة بلا اكتراث، بينما هو عالق في جملة واحدة رفضته فيها امرأة لا تعرف كم كان يضع روحه بين كلماتها. في الليل، جلس إلى مكتبه الصغير في الغرفة التي يستأجرها من أرملة صامتة، وبدأ يكتب في دفتره «ليس الرفض هو ما يؤلمني، بل أنني صدقت للحظة أنني أستحق القبول». ثم أضاف «الناس يقولون إن الزمن يشفي، لكنهم لا يذكرون أن الجرح يصبح جزءًا من الجسد، يعيش ويكبر معه. في اليوم التالي، خرج إلى الشارع تحت ضباب الصباح. كانت إيلينا تمرّ صدفة من الطرف الآخر من الطريق، تمسك بذراع رجل آخر. لم تلتفت إليه. لم يكن في الأمر أي دراما، فقط لحظة بسيطة، لكنها كانت كافية لأن يفهم الحقيقة كلها: أنها نسيت. وأن نسيانها كان أكثر ما يؤلمه.
عاد إلى النيفا، جلس في مكانه المعتاد، وأشعل سيجارة. حدّق في الماء المتجمّد نصفه، وقال بصوت خافت: «ربما لا يُشفى المرء من الرفض... بل يتعلّم أن يعيش معه كما يعيش الروس مع البرد، لا يحبونه، لكنهم اعتادوا عليه». و«بينما بدأ الثلج يتساقط من جديد، ابتسم للمرة الأولى منذ أسبوع، ابتسامة واهنة، لكنها صادقة».
كُتب عن الأغنية وفضل الكثير، لكن أهم ما قرأته غرد به الكاتب رجا ساير المطيري «الأغنية الجديدة لفضل شاكر كشفت بأن سوء الأغنية العربية ليس لأن الجمهور اختلف، أو أن المواهب شحَت، أو أن الذوق العربي تغير، بل ببساطة لأن نجوم الأغنية أصابهم الكسل، وسلكوا الطريق الأسهل والمضمون لتحقيق المال قبل الفن. فضل شاكر بتكلفة بسيطة، لكن بوعي كبير، تمكن من المحافظة على قيمته ومكانته، وأثبت أن الجمال مسألة وعي وفكر وذوق، وهذه أشياء لا تُشترى». حساب روائع الأدب الروسي يقدم خدمة كبيرة عندما يترجم لنا الروائع الروسية، نجاح حسابه يكمن في انتقاءاته العميقة الرائعة، نشر قصة قصيرة ليوري كازاكوف «الثلج الأخير»، كتبها في خمسينات القرن الماضي، قصة تسكن ذاكرتك منذ قراءتها الأولى، وتشعل خيالك في تصور تفاصيلها وأبطالها. «كانت بطرسبورغ في أواخر آذار، حين يذوب الثلج، لكنه لا يرحل تمامًا، كأنه متردد بين البقاء والغياب. على ضفة نهر نيفا، جلس أندريه بافلوفيتش فوق مقعد خشبي، يرتجف من البرد أكثر مما يرتجف من الفكرة التي تسكن رأسه منذ أيام: هل كانت تضحك معه حقًا، أم كانت تضحك منه؟
قبل أسبوع فقط، كان يظن أن قلبه وُجد ليُحبّ إيلينا نيكولايفنا وحدها. كانت تبتسم له بطريقة لم يجرؤ على تفسيرها، وتستمع إلى حديثه الطويل عن الكتب والحرية والملل، كأنها تفهمه. لكنه حين جمع شجاعته أخيرًا وكتب لها رسالة حب مرتعشة الحروف، لم يتلقَّ منها سوى ردّ قصير، مؤدّب حد القسوة:
«أقدّرك كثيرًا، لكن قلبي في مكان آخر». منذ تلك اللحظة، لم يعرف أندريه كيف يتنفس كما كان من قبل. صار كل صوت في المدينة يؤذيه: خطوات المارة، ضحكات العشاق، صرير العربات على الجليد المذاب. كان يشعر بأن العالم كلّه يواصل الحياة بلا اكتراث، بينما هو عالق في جملة واحدة رفضته فيها امرأة لا تعرف كم كان يضع روحه بين كلماتها. في الليل، جلس إلى مكتبه الصغير في الغرفة التي يستأجرها من أرملة صامتة، وبدأ يكتب في دفتره «ليس الرفض هو ما يؤلمني، بل أنني صدقت للحظة أنني أستحق القبول». ثم أضاف «الناس يقولون إن الزمن يشفي، لكنهم لا يذكرون أن الجرح يصبح جزءًا من الجسد، يعيش ويكبر معه. في اليوم التالي، خرج إلى الشارع تحت ضباب الصباح. كانت إيلينا تمرّ صدفة من الطرف الآخر من الطريق، تمسك بذراع رجل آخر. لم تلتفت إليه. لم يكن في الأمر أي دراما، فقط لحظة بسيطة، لكنها كانت كافية لأن يفهم الحقيقة كلها: أنها نسيت. وأن نسيانها كان أكثر ما يؤلمه.
عاد إلى النيفا، جلس في مكانه المعتاد، وأشعل سيجارة. حدّق في الماء المتجمّد نصفه، وقال بصوت خافت: «ربما لا يُشفى المرء من الرفض... بل يتعلّم أن يعيش معه كما يعيش الروس مع البرد، لا يحبونه، لكنهم اعتادوا عليه». و«بينما بدأ الثلج يتساقط من جديد، ابتسم للمرة الأولى منذ أسبوع، ابتسامة واهنة، لكنها صادقة».