أحمد الحامد⁩
انتقال وليس تطورا !
2025-10-27
دندن أحدهم بصوته لحنًا على برنامج ذكاء اصطناعي، وفي ثوانٍ تحولت الدندنة إلى لحن أوركسترالي وبتوزيع موسيقي أخاذ، جذبتني الموسيقى لدرجة أني احتفظت بها، مثلما احتفظ بموسيقى كبار الموسيقيين، شيء لا يصدق، وإذا كنا نقول إن الذكاء الاصطناعي لن يعوض البشر في نواحي كثيرة، فعلينا التفكير أكثر، وألّا نكابر بينما نرى التفاصيل الفنية الإنسانية، صار يعزفها برنامج اصطناعي. أعرف تقدير التكاليف المالية لعزف أوركسترالي بشري، ولم أتوقع يومًا أن تتبدل هذه التكاليف إلى مجرد اشتراك شهري في برنامج اصطناعي مختص بالموسيقي، لا يكلف سوى عدة دولارات شهرية. صناعة الموسيقى تتغير، مثلما تتغير أشياء كثيرة كنا نعتقد أنها اختصاص البشر. لا شك عندي أن نجوم الأغنية بعد عشرين عامًا سيكونون أصواتًا اصطناعية، سنستمع إلى أصوات عذبة موّلدة من أصوات بشرية، وسيكون لهم جمهورهم ومعجبوهم. هل سمعتم عن احتجاجات بعض الممثلين المشاهير، وكيف أبدوا تذمرهم من استخدام بعض شركات الإنتاج السينمائي لممثلين اصطناعيين؟ شاهدت بعض المقاطع من هذه الأفلام القصيرة، ولم أعرف أن الممثلين مولدين اصطناعيًا، لقد كان كل شيء يبدو طبيعيًا، وأداء الممثلين لا يقل براعة عن أداء نجوم هوليوود، أعتقد أنها مسألة وقت لا أكثر لتصبح أكثر الأفلام بعد عشر سنوات موّلدة اصطناعيًا. نحن لا نمر بمرحلة تطور، بل بانتقال كامل من عصر إلى آخر، شيء أشبه بزمن ابتكار آلة الطباعة، ولكن بشكل مضاعف آلاف المرات، لأن الانتقال يشمل كل المجالات دون استثناء، وقناعتي أن الذكاء الاصطناعي سيكون بديلًا عن 90 بالمئة مما كان يفعله البشر في كل الشؤون.
في معرض العطور كان البائع يقدم لي زيتًا عطريًا، العادة يعرّف البائع بمصمم العطر ويشرح فكرته، وفي بعض الأحيان يبتكر قصة حول العطر ليضيف له هالة في عقل المشتري. لكني تفاجأت عندما ذكر لي البائع أن المصمم هو ذكاء اصطناعي، ولا أدعي أني كبير الخبراء في العطور، لكني ما شممته كان رائعًا، ولا يقل جمالاً عن العطور التي صممها كبار العطارين. شخصيًا لا أحب أن يتدخل الذكاء الاصطناعي في الكثير من شؤون حياتنا العملية والصناعية، لأنه سيأخذ وظائف البشر، ولأنه سيؤثر على طبيعة حياتنا وعلاقاتنا الانسانية، لكنه واقع لا رجوع منه، واقع مدفوع بقوى مالية كبرى لا يمكن مواجهتها.