في طفولتي تساءلت: كيف استطاع توماس أديسون أن يخترع 1090 اختراعًا؟ بقي السؤال في عقلي لسنوات، تخيلته مشغولًا طوال الوقت، يتصاعد من مختبره الدخان، تناوله زوجته الساندويتشات ويأكلها واقفًا، لأنه لا يملك الوقت للجلوس على الكرسي، أما نومه فقليل متقطع. قبل أيام عاد السؤال يطرح نفسه، هذه المرة قررت أن أحسب الوقت الذي سيستغرقه كل اختراع، أعطيته أسبوعًا، وإذا بالرقم يصل إلى 21 عامًا بمعدل اختراع كل أسبوع. شيء لا يدخل العقل، وغير واقعي أبدًا. أديسون عالم، لكنه تاجر أيضًا، و ربما تاجر عالم أكثر من عالم تاجر، وهذا يميزه ولا يعيبه، شرط أن تكون كل الاختراعات المسجلة باسمه هو من اخترعها. يقول المؤرخون أن ما بين 70 إلى 80 في المئة من الاختراعات المسجلة باسم أديسون كانت نتيجة عمل جماعي وليست أفكاره الفردية، المصباح الكهربائي لم يخترعه أديسون، بل طوّر فريقه تصميمات سابقة لعدة مخترعين أبرزهم البريطاني جوزيف سوان. الكاميرا السينمائية طوّرها فريق عمله بقيادة ويليام ديكسون. مئات الاختراعات المهمة كانت عملًا جماعيًا، لكن أديسون هو من شكّل فرق العمل، وهو من كان يدفع رواتبهم، لذا أصبحت كل الاختراعات ملكًا له و مسجلة باسمه، لذا أصبح أديسون من أثرياء زمنه، خصوصًا عندما ظهر في حياته شاب اسمه نيكولا تيسلا. لم يأثر فيني عالم كما أثَّر تيسلا، العبقري الذي كان متفوقًا على أديسون وكل علماء زمنه، كان عبقري عصره، لكنه لم يكن عالمًا تاجرًا، كان من نوع العلماء الذين يريدون نفع العالم، هذا هو هدفه الحقيقي، حتى وإن كلفه ذلك أن ينضم لقافلة العلماء الفقراء. تيسلا الذي انتهت حياته فقيرًا هو الذي وضع الأسس النظرية والعلمية للكهرباء الحديثة، والاتصالات اللاسلكية، والمحركات والروبوتات. اخترع نظام التيار الكهربائي المتناوب الذي تستخدمه معظم دول العالم اليوم، أول من حارب اختراعه هو توماس أديسون الذي كان قد أطلق مشروع التيار المستمر «DC» البطيء والذي لا يمكن إيصاله إلى جميع الأماكن. تيسلا لم يكن يملك المال لينشر اختراعه، وتنازل عن حقوقه للمستثمر الذي تبنى مشروعه، قائلًا له: أريد أن تصل الكهرباء لجميع الناس. لكن المستثمر نفسه لم يستطع إكمال المشروع لنقص المال، وهنا كانت فرصة أديسون سانحة ولم يضعها، خصوصًا وأن تيسلا كان قد تنازل عن حقوقه في اختراعه للتيار المتناوب. من اختراعات تيسلا نظام الاتصالات اللاسلكية، والريموت كنترول، ومصابيح النيون والإضاءة اللاسلكية، ونقل الطاقة لاسلكيًا، والرؤية المستقبلية للإنترنت والهواتف الذكية، هذا بعضها وليس جميعها، حتى الإضاءة التي أكتب عليها الآن من اختراعه. التاريخ قد يتأخر في إنصاف المستحقين، لكنه لا يلغيهم.