أحمد الحامد⁩
هل تعرفت على نفسك؟
2025-11-06
كل من لديه مشاكل في حياته لن يستطيع حلها جميعها أو حتى نصفها، قبل أن يحل مشاكله مع نفسه. ولكي لا أبدو منظرًا نفسيًا، أو مختصًا اجتماعيًا، سأضرب أمثالًا على نفسي، على أساس أني خبير نفسي بنفسي، وليس في نفوس الآخرين. اتفقنا؟ في أول العشرين كنت أطمح في وظيفة جيدة، عندما حصلت عليها قلت إن الوظيفة عملية أسر مشرّعة، تقضي عمرك تعمل عند الغير، تحصل على ما يكفيك لآخر الشهر، وقد لا يكفيك، ثم إن العمل عند الغير يجعلك - أقصد نفسي - خائفًا على وظيفتك، خصوصًا مع المسؤوليات التي على عاتقك. لذلك تصبح مهادنًا مع ما لا يعجبك، فتفقد شجاعتك بشكل بطيء. إذن لا بد من البحث عن عمل تجاري لا يجعلني أعوّل على الراتب، وفعلًا هذا ما حدث، وعندما بدأت بوادر النجاح الأولى تساءلت: وما جدوى ذلك؟.. أعيش في مطحنة العمل والصراعات، وبهذه العقلية فقدت المشروع الخاص، لأني في مرحلة ما فقدت الإخلاص له ولم أندم. بعد ذلك قبلت بعمل إداري، ثم وجدت نفسي أعمل عملًا أكثره بعيد عما أحب، فخرجت منه. قبل أقل من عشرة أعوام بقليل عشت في مكان هادئ، وكثيرًا ما قضيت أوقاتًا مع نفسي، مشيت كثيرًا، ودون قصد رحت أسترجع الكثير من محطات حياتي، الأشخاص والأماكن، الأعمال والأفكار والقناعات، ورحت أقرأ سيرًا ذاتية كثيرة لشخصيات خاضت تجارب حقيقية، وأتأمل في بعض ما كتبوه، وفي آرائهم الأخيرة قبل رحيلهم. ما خرجت به في أربعة أعوام من العيش في المكان الهادئ كان مقنعًا لي، اكتشفت أني كنت أعيش معظم ما مضى بالطريقة التي لم أخترها أنا، وأن طباعي الحقيقية كانت في صراع مع الظروف التي وضعت نفسي فيها، لذلك كنت أنا، ولم أكن أنا. اكتشفت أني بحثت عن أشياء لم أعرف إن كانت تناسبني أو لا، وهل سأحبها إن وصلت لها؟، كنت أسير في طرق ليس لأنها مناسبة لي، بل لأن الأكثرية تسير فيها، وللتوضيح أكثر.. أنا أحب البيت الذي تكون مساحته أكبر من الصغير أو الوسط، فلماذا ضغطت على نفسي واشتريت بيتًا أكبر من طاقتي بالأقساط الطويلة؟ هل لأن المحيطين بي مساحات بيوتهم بهذا الحجم؟ أحب الأماكن الهادئة، فلماذا سكنت لسنوات وسط الزحام؟ لا أحب الجلوس في المقاهي مع الزملاء، فلماذا قضيت معهم ليالي كثيرة ولسنوات نمت فيها متأخرًا؟ هذه أمثلة فقط، الواضح منها أني لم أعش أسلوب حياتي التي تفضلها نفسي، لذلك لم أجد راحتي في أوقات كثيرة. كان هناك صراع خفي بين ما يصلح لي، وبين ما كنت أضع نفسي فيه. لاحقًا، ولا أدري إن كان متأخرًا، بدأت أستمع لنفسي، وجدت أنها تسعد بالأشياء البسيطة الحقيقية، عرفت أنها تفضل الاستقرار في عمل واحد والتركيز عليه، وتسعد عندما أعمل بإتقان، اكتشفت أنها تفضل الجلوس في مزرعة صغيرة أنيقة، أكثر بعشرة أضعاف من الجلوس في بهو فندق 7 نجوم. معرفة الإنسان لنفسه هو أفضل شيء يحدث للإنسان، والشجاع هو من يعيش بأسلوبه.