سعد المهدي
كيف تتحول المؤتمرات إلى غرف تعذيب؟
2025-11-08
لم تخلُ سيرة أليكس فيرجسون مما يتشابه فيه مع غيره من المدربين في العالم، كذلك حال كل المهن، إلا أن الاختلاف هو ما تنتهي به مسيرة كل منهم، والقدرة على تحدي المصاعب واستثمار فرص النجاح، وهما حالتان تستوجبان مزايا يتمتع بها المرء، لا تتوفر في الكل.

يروي فيرجسون في مذكراته كثيرًا مما عاشه وتعايش معه داخل المستطيل الأخضر، وفي غرف الملابس ومكاتب ومرافق وملاعب النادي، لتكتشف كيف يؤدي المدرب دوره، ويؤدي واجبات عمله في ظروف تتفاوت، ومع أشخاص مختلفين، ومحيط من الجمهور والإعلام يمارس الضغط والتشجيع في آن واحد، دون أن تعنيه التفاصيل مع أنها هي التي تشكل الصورة النهائية.

يشتكي فيرجسون من تعامله مع «الإعلام» لكنه يظهر فهمًا لضرورة ألّا يسقط في حباله، أو أن يُسقطه في الأزمات، سمع نصيحة صديقه بول: «إظهار الضعف أمام الصحافة ليس طريقة صحيحة للتعامل معهم، أن تظهر لهم معاناتك لن يساعد الفريق ولن يعزز فرصتك في الفوز»، يقول فيرجسون: «كان بول محقًا عندما أسدى لي تلك النصيحة، كنت أُظهر مدى الضغوط التي كنت أواجهها في عملي، لم يكن بإمكاني السماح لمؤتمر صحافي بأن يتحول إلى غرفة تعذيب، كانت مسؤوليتي حماية كرامة النادي، وكل ما كنا نحاول تحقيقه كان من الضروري أن أكون في موقف الهجوم، وأن أتحكم في سير المحادثة قدر الإمكان».

في عالم كرة القدم المؤتمرات الصحافية هي أكبر خزان للمعلومات، وأكثر صدقية من الحوارات المعلبة، أمام مراسلي الصحافة بكل وسائلها فرصة سؤال المعني الأول إذا افترضنا أنه «المدرب» عن كل ما يتعلق بالمباراة، وما قبلها وبعدها والأسباب والمسؤولين عنها، وإلى أين يتجه به مسار المنافسة، ولماذا هذا المنهج والتكتيك، ومدى صلاحيته أو فشله، وينطبق على العناصر وبيئة النادي، ومناخ غرفة الملابس والتعاقدات.. إلخ، أظن بل أجزم أنها أهم من كل ما سيقوله المحللون والنقاد بعد ساعات على شاشات التلفزيون، وغيره رغم أن الناقلين عودونا بقطع المؤتمر والعودة للأستديو!.

إذا وجد المدرب الذي يقول ذلك ستكون مادة صحافية لم تتمتع برفاهية الوقت أو التفكير العميق أو الحذر، وهو عادة ما يلقى صدى أيًا كان شكله، ويفتح مسارات تثري النقاش حولها، هذه لا تتحقق أيضًا دون وجود الصحافي الذي يسأل، ليس من أجل أن يسأل، لكن الذي يحمل استفهامات حول المباراة أو اللاعبين أو قرارات الحكام أو أجزاء من معلومة لم تكتمل أو يريد تأكيدها، لا ذلك الذي يريد أن يلمع نفسه أو يستنطق المدرب بوضع الكلام في فمه أو يسأله ليورطه، الأكيد أن هذا بين قوسين «صحافي» تسلل إلى قاعة المؤتمرات بالصدفة.

أخيرًا ينصح فيرجسون ألّا تبدو في المؤتمرات الصحافية أحمقًا، تجيب بطريقة سخيفة، فهذه الأسئلة القاسية قد تجعلك تطيل في إجابتك، تحاول مدها في تفكيرك وفي النهاية تجد نفسك تبرر كل شيء، وتكشف نقاط ضعف فريقك، عليك عندما تتعرض للاستجواب التفكير بالفوز بالمباراة التالية، هذا أهم من التفوق على الصحافيين، في تبادل الأحاديث.. في مؤتمرات مسابقاتنا بعض من المراسلين المحتقنين يسألون عمّا يخصهم لا عن الشأن العام، أو صغار منفوخين بفرصة وجود لم يحلموا بها، أو مؤدين لواجب وظيفي، وهناك نابهين مجتهدين لا أحد يعتني بهم، هذا جعل غرف المؤتمرات في ملاعبنا كثلاجات الموتى تفضي إلى صمت وحزن، برغم كل هذا الضجيج.