زلاتكو.. مهندس كهربائي.. عاش الحرب وعشق بلاجيفيتش

الرياض - إبراهيم الأنصاري Ibrahimal_ansar@ 2025.11.15 | 04:37 pm

«أود إهداء هذا الإنجاز لميروسلاف بلاجيفيتش الذي بدأ كل شيء، أيها القائد، هذه الميدالية من أجلك، إنها ميداليتك، ستظل دومًا سيد المدربين»، هذه الكلمات الأولى التي صرح بها زلاتكو داليتش مدرب منتخب كرواتيا الأول لكرة القدم، عندما بلغ نهائي كأس العالم 2018 برفقة الناريين للمرة الأولى والتي تعبر عن امتنانه العميق للعملاق بلاجيفيتش الذي وافته المنية في فبراير 2023.
في مدينة ليفنو غرب البوسنة والهرسك ولد زالاتكو في 26 أكتوبر 1966 وهي المدينة التي أنجبت العديد من الأساطير الكروات مثل دافور سوكر والشقيقان التوأم نيكو كوفاتش وروبرت كوفاتش، وينحدر منها أيضًا زوران ماميتش وأشقاؤه الأكثر شهرة في البلاد.
كان والده إيفان معلمًا وأمه كاتا ربة منزل، وقضى زلاتكو، مع أقرانه معظم الوقت في لعب الكرة.
أظهر زلاتكو موهبة على الفور. منذ اليوم الأول، أظهر إحساسًا قويًا باللعبة وسيطر على الملعب، كما يقول شقيقه الأصغر ميران، والذي انتهى به الأمر أيضًا في كرة القدم، لاعبًا ومدربًا.
بدأ زلاتكو مسيرته المهنية في نادي القرية تروجلاف 1918، وسرعان ما لعب للمنتخب الوطني الرائد للبوسنة والهرسك، بعد المدرسة الابتدائية، تخرج أيضًا من المدرسة الثانوية مهندس كهربائي. كان دائمًا، كما يقول شقيقه، طالبًا متفوقًا، نظرًا لأن مدينة ليفنو تميل سياسيًا إلى نظيرتها سبليت الكرواتية، كان نادي ليفنو على علاقة جيدة مع نظيره هايدوك سبليت العملاق الكرواتي، الذي لاحظ كشافوه زلاتكو ودعوه للانضمام إليهم في عام 1983.
يقول شقيقه: «أتذكر أنه في صغره كان يعشق الرقم 10، فهو الرقم الذي يحلم به كل طفل، إذ يرتديه اللاعبون المتميزون، وكان قدوته أسطورة هايدوك سبلت يوريكا يركوفيتش، الذي ربما كان أفضل لاعب وسط في ذلك الوقت».
عندما اندلعت الحرب في البوسنة والهرسك، كان داليتش عضوًا في المجلس الكرواتي للدفاع، لم يكن في الخطوط الأمامية، لكنه كان يوصل الطعام للجنود.
على الرغم من أن معظم الناس يعرفونه كخبير في كرة القدم، إلا أن زلاتكو هو في الواقع مهندس كهربائي، ولكن في عام 1994 التحق بكلية التدريب.
ويصفه صديقه ورفيق دربه مارين بقوله: «داليتش رجلٌ لا يعرف سوى كرة القدم. في أوقات فراغه، يشاهد المباريات، لكلٍّ منا متنفس، وكرة القدم بالنسبة له عملٌ وترفيه، حتى كلاعب، لم يكن يحضر التدريبات لمجرد القيام بها، فبمجرد مغادرتنا الملعب، كان يأخذ دفترًا ويدوّن كل ما تدربنا عليه في ذلك اليوم، وهكذا أنشأ كتابًا كاملًا عن التدريبات التي أجراها برانكو إيفانكوفيتش ولوكا بوناتشيتش. لاحقًا، تعلم من بلاجيفيتش، ثم أثبت جدارته بسرعة كبيرة، حتى أنني أعتقد أنه توقف عن اللعب مبكرًا جدًا، لكنه أراد تلك الوظيفة، أن يدخل عالم الاحتراف في أقرب وقت ممكن».
بدأ زلاتكو التدريب في العام 2005 مع نادي فاراجدين الكرواتي، وقف على الهرم الفني في العديد من الفرق الكرواتية حتى العام 2009 قبل أن يخوض أول تجاربه خارج بلاده، بعدما تعاقدت معه إدارة الفيصلي السعودي في موسم 2010 وحقق معه المركز السابع ثم الثامن في الموسم الذي يليه، لينتقل بعدها لتدريب الفريق الأولمبي في النادي العاصمي «الهلال»، وفي موسم 2013 عين زلاتكو مدربًا للفريق الأول في الهلال خلفًا للفرنسي أنطون كومبواريه ليحقق مع الهلال كأس خادم الحرمين الشريفين ووصيفًا لدوري المحترفين.
وانتقل بعدها الكرواتي زلاتكو للدوري الإماراتي منذ العام 2014 مع العين الإماراتي والذي اعتلى من خلاله كافة منصات التتويج عبر جميع البطولات المحلية من فترة 2014 إلى 2016، حيث فاز معهم ببطولة دوري الخليج العربي، وكأس رئيس الدولة، وكأس السوبر الإماراتي، ووصل معهم إلى نهائي دوري أبطال آسيا قبل أن يلبي نداء الكروات بعد أن استدعاه الاتحاد الكرواتي لاستلام مهمة تدريب المنتخب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فترة عصيبة في التصفيات للوصول إلى كأس العالم 2018.
وقاد داليتش المنتخب الكرواتي أولا للتأهل لكأس العالم 2018، وهو الإنجاز الذي جعله يحصل على عقد دائم، وبعد ذلك قاد الجيل الذهبي للمنتخب الكرواتي للوصول للمباراة النهائية قبل أن يخسر 2-4 أمام المنتخب الفرنسي.
ولكن الشيء الذي كان الأكثر إثارة هو وصول المنتخب للدور قبل النهائي بمونديال قطر 2022، حيث تأهل الفريق لهذا الدور على الرغم من أن الفريق كان أقل موهبة مما كان عليه قبل أربعة أعوام.
وانتهت آمال كرواتيا في رفع الكأس أمام المنتخب الأرجنتيني، الذي توج باللقب، ولكن المنتخب الكرواتي فاز على المنتخب المغربي 2-1 ليحتل المركز الثالث، ليضمن الفريق العودة لكرواتيا حاصدًا الميدالية البرونزية.
يقول داليتش: إن ثلاثة مدربين تركوا بصمتهم عليه: ستانكو بوكليبوفيتش الذي أحضره إلى هايدوك في الخامسة عشرة من عمره، وبرانكو إيفانكوفيتش الذي ألحقه بمدرسة تدريبية، وتشيرو بلازيفيتش الذي منحه أول فرصة له كمدرب.
في حياته الأسرية يدين زلاتكو بالفضل إلى زوجته دافوركا خريجة كلية الاقتصاد التي ارتبط بها في عام 1992 وأنجب منها توني «29 عامًا» وبرونو «24 عامًا».
يقول داليتش عن علاقته بزوجته: «بدأنا من الصفر. كنا فتاةً وشابًا نطمح إلى بناء شيءٍ ما في حياتنا. أردنا أن نبني شيئًا معًا. مررنا بفترات صعود وهبوط، وكنا أحيانًا نواجه عقبات، لكننا تمكنا من تجاوزها، إنها تعتني بنا جميعًا. ليس من السهل وجود ثلاثة رجال في المنزل. لقد حرصت على أن نسير على الطريق الصحيح. حافظت على تماسك الأسرة بجهد كبير وطاقة كبيرة».
يحكي صاحب الـ51 عامًا طقوسه أثناء المباريات بقوله: «في أيام المباريات، لا آكل شيئًا، ولا أتحدث مع أحد، ولا أستخدم هاتفي، ولا أرد على الرسائل. أي شخص قريب مني يعلم أنني لا أتصرف كشخص طبيعي في ذلك الوقت، لذا لا يتصلون بي، هذا ما قاله مدرب المنتخب الكرواتي لكرة القدم لجلوريا».
في المونديال الأمريكي لن يرضى الكروات من داليتش وكتيبته بقيادة المخضرم لوكا مودريتش أقل من بلوغ نصف النهائي وهو الذي اعتادوا عليه منذ أيام العملاق بلاجيفيتش وحتى عهد تلميذه داليتش.