منجم الذهب.. مواهب فقيرة قطف ثمارها رينارد

لاعبون في أكاديمية محمد السادس في مدينة سلا شمال المغرب 4 نوفمبر 2025 (الفرنسية)
سلا ـ الفرنسية 2025.11.27 | 01:59 pm

يقطع طارق الخزري كل عام آلاف الكيلومترات عبر المغرب لاكتشاف مواهب واعدة تستقطبها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم المرموقة التي تغذي منذ بضعة أعوام فرقًا محلية وأجنبية، كما منتخب «أسود الأطلس» بلاعبين صار بعضهم نجومًا.
يوضح الخزري، مسؤول الاستقطاب في الأكاديمية التي برزت أخيرًا بمساهمة عدد من خريجيها في فوز المغرب بكأس العالم تحت 20 عامًا، لوكالة «فرانس برس» «عندما يلتحق شاب بالأكاديمية فإنه يحظى بالرعاية الكاملة من مأوى وتغذية وتعليم وتطبيب».
تمتد هذه المؤسسة على نحو 17 هكتارًا في مدينة سلا، توأم العاصمة الرباط، وتضم نحو عشرة ملاعب وفصول دراسية، وقاعات للتمارين الرياضية والألعاب، فضلًا عن أجنحة للنوم ومطعم فسيح، ومركز طبي من ثلاثة طوابق.
يشير الخزري «42 عامًا» إلى أن «90 بالمئة» تقريبًا من تلامذتها ينحدرون من «عائلات فقيرة»، منوهًا إلى أن الملك محمد السادس «يتولى تمويلها من ماله الخاص».
جاء افتتاحها عام 2010 لحل معضلة تكوين الناشئين التي عانت منها الكرة المغربية. ففي بلد يحفل بالمواهب، تعجز النوادي المحلية عمومًا عن تكوين لاعبين بمستويات عالية، مع استثناءات قليلة.
وتضم هذا العام 121 تلميذًا كلهم ذكور، تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا. هم قادمون من مدن أو قرى في مختلف مناطق المغرب، بما فيها الصحراء الغربية.
قبل أن يصل هؤلاء إلى الأكاديمية، يتم اكتشافهم في أحيائهم من طرف «خلايا انتقاء محلية» ومدربين «منتدبين من الأكاديمية لاكتشاف أفضل اللاعبين»، ابتداءً من سن السادسة أو السابعة.
بعد اختيارهم يتم العمل «على تطويرهم» لأعوام عدة، وفق الخزري.

طموح مشترك

من بين هؤلاء كان بضعة يافعين «17-18 عامًا» يتدربون على تمرين «الثور» وسط أحد ملاعب المدرسة، مشكلين دائرة لتمرير الكرة فيما بينهم يتوسطها لاعبان عليهما استرجاعها.
يجمع هؤلاء الشباب طموح مشترك «للنجاح في كرة القدم»، كما يقول المدرب الفرنسي لوران كوجير «56 عامًا» الذي يعمل في الأكاديمية منذ سبعة أعوام.
ويضيف «رأيت حالات عائلية صعبة جدًا» لأطفال بدؤوا من «أسفل» السلم الاجتماعي، ولذلك عندما «يتمكن لاعب من تحقيق مدخول جيد بفضل كرة القدم، فإنه ينقذ عائلة بأكملها».
يتحدث على الأقل عن فترات من الشك اجتازها بعض الوافدين إلى الأكاديمية والذين لم يتمكّن أي منهم من إجراء مقابلة مباشرة مع وكالة «فرانس برس» لعدم الحصول على إذن.
يشير المدرب الفرنسي على سبيل المثال إلى أن ياسر الزابيري هداف المنتخب المغربي المتوج بكأس العالم تحت 20 عامًا تم تصعيده إلى فئة تحت 17 عامًا، عندما كان في الخامسة عشرة «لكنه لم يكن يلعب كثيرًا» لصغر سنه، وكان يخشى ألا يتم الاحتفاظ به في الأكاديمية.
لكنه بصم بعد ذلك على مسار متميز، وأسهم مع زملائه السابقين في الأكاديمية حسام الصادق وياسين الخليفي وفؤاد الزهواني في نيل لقب تلك البطولة في تشيلي في أكتوبر، في أول إنجاز من نوعه لمنتخب مغربي.
يوجد حاليًا 26 لاعبًا من خريجي الأكاديمية في الدوري المحلي، ونحو ثلاثين في دوريات أوروبية على غرار عبد الحميد آيت بو دلال مدافع رين الفرنسي، خمسة منهم على الأقل مرشحون للمشاركة في مونديال 2026 في أمريكا الشمالية «الولايات المتحدة والمكسيك وكندا»، ثم كأس العالم 2030 التي سيكون المغرب شريكًا في تنظيمها مع إسبانيا والبرتغال. لكن قبل ذلك، يستضيف المغرب نهائيات كأس أمم إفريقيا الشهر المقبل.

مغامرة رينارد

بدأت مغامرة لاعبي الأكاديمية مع المنتخب المغربي الأول في فترة الفرنسي هيرفي رينارد مدرب الأخضر السعودي حاليًا «2016-2019» الذي أعرب لوكالة «فرانس برس» عن سعادته «كان لي الحظ لأجني الثمار الأولى» لهذه التجربة.
ويشير على الخصوص إلى يوسف النصيري «28 عامًا» هداف أسود الأطلس «الذي كان أحد المساهمين الكبار» في بلوغ المنتخب المغربي نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر والذي أقحمه رينارد في المنتخب الأول في سن 19 عامًا.
داخل الأكاديمية، تبدأ يوميات التلاميذ في الـ 07:00 صباحًا بحصص دراسية في تمام الـ 08:15 يليها أول التمارين الرياضية. بعد الغذاء يعودون إلى مقاعد الدراسة، قبل حصة تمارين رياضية ثانية تمتد حتى نهاية اليوم. ثم ساعة للتمارين الدراسية قبل العشاء.
يدرسون البرنامج عينه المقرر في المدارس النظامية الأخرى، مرتدين لباسًا موحدًا مزينًا بشعار الأكاديمية.
إذا كان التنسيق بين التكوين الرياضي والتعليم صعبًا «عندما يسافرون للعب دوريات» داخل المغرب أو خارجها، فإن المؤسسة تفخر «بتحقيق نسبة نجاح 100 بالمئة في امتحانات البكالوريا» خلال الأعوام العشرة الأخيرة، بحسب مدير قطب التعليم فيها عبد الرزاق الغمري البالغ من العمر 78 عامًا.
ويبقى التعليم الأهم في تكوين هؤلاء الأطفال، «لأن كرة القدم محفوفة بالمخاطر، ويمكن أن يقع أي شيء بين عشية وضحاها... على الأقل يخرجون بدبلوم يمكن أن يضمن لهم حياة أفضل».