فورتونيس.. رجل النجاح من أثينا إلى سيهات
يؤمن اليوناني كوستاس فورتونيس، لاعب فريق الخليج الأول لكرة القدم، بمقولة الأمريكي بنجامين فرانكلين في رسمه لطريق النجاح: «إما أن تكتب شيئًا عظيمًا أو أن تفعل شيئًا عظيمًا يستحق الكتابة عنه»، وبعد بحث سريع على جوجل عن اسم «فورتونيس» نجد أنه سار على الطريق ذاته وحقق النجاح من أثينا إلى سيهات.
في قرية صغيرة تُدعى ساراكينا على سفح جبال ثيساليا، حيث يلتقي نهر ليثايوس بالسهول الخضراء، ولد كوستاس فورتونيس في السادس عشر من أكتوبر عام 1992، كان البيت بسيطًا، جدران من الحجر وفناء صغير يتحول إلى ملعب كرة كلما انتهى الدوام المدرسي، والداه، وهما من النوع الذي يعمل من الفجر حتى غروب الشمس، لم يمنعاه يومًا من اللعب، بل كانا يجلسان على الدرج يراقبانه وهو يركل الكرة بقدمه اليسرى حتى تلامس أغصان شجرة التين.
في الثالثة عشرة من عمره، جاءت لحظة الحسم، حين وصل كشاف من أكاديميات أولمبياكوس إلى تريكالا لرؤية مباراة تجريبية للناشئين، رأى الفتى القادم من القرية يراوغ ثلاثة لاعبين ويضع الكرة في الزاوية التسعين، في الأسبوع التالي كان كوستاس على متن الحافلة متجهًا إلى أثينا، حقيبة صغيرة ودموع والدته التي لم تستطع إخفاءها، قالت له وهي تعانقه في محطة القطار: «اذهب وقاتل من أجل حلمك، وسنكون خلفك في كل أسبوع»، وصدقت.
عاش الفتى اليوناني في سكن الأكاديمية في رينتي، غرفة مشتركة مع ثلاثة لاعبين آخرين، أصوات غريبة وأكل مختلف وبُعد عن البيت، لكن كل جمعة مساءً كان يسمع صوت سيارة والده القديمة تدخل البوابة، ينزل الأب حاملًا كيسًا فيه خبز منزلي وجبنة فيتا وقليل من الزيتون من الشجرة التي في الفناء، ثم تأتي الأم تحمل كيسًا آخر فيه ملابس نظيفة وكوفية صوفية لأن الشتاء في أثينا أبرد مما تعود عليه في تريكالا، كانا يبقيان معه ساعات قليلة ثم يعودان إلى الشمال، خمسمئة كيلومتر ذهابًا ومثلها إيابًا كل أسبوع، لم يتغيبا يومًا واحدًا طوال ثلاثة أعوام.
يقول كوستاس في إحدى مقابلاته: «كانوا يأتون كل سبت وأحد، وكان في النادي ناس كثير تساعد، لكن الحقيقة أنك كنت لوحدك، وجودهم كان يعني لي كل شيء».
في الثامنة عشرة من عمره وقع كوستاس عقدًا مع أستير تريبوليس في الدوري اليوناني الأول، كان الفريق يبحث عن لاعب يمكنه التحكم في خط الوسط، وسرعان ما أظهر فتى تريكالا قدرته على ذلك، سجل هدفه الأول في الدوري ضد أتروميتوس في أكتوبر 2010، في ذلك الموسم لعب 24 مباراة وأسهم في سبعة أهداف، لم يكن الأمر سهلًا، المنافسة الشديدة والضغط من اللاعبين الأكبر سنًا، لكنه تعلم كيف يراوغ بذكاء بدلًا من القوة.
بعد عام، في صيف 2011، جاء عرض من الخارج، نادي كايزرسلاوترن الألماني في الدوري الثاني، وقع عقدًا لأربعة أعوام، كان الجو في ألمانيا مختلفًا، تدريبات يومية تصل إلى الظهر والمساء، ومباريات تُلعب أمام آلاف الجماهير الهائجة، في موسم 2011-2012 لعب 28 مباراة وسجل هدفين، ساعد الفريق على الوصول إلى المركز الثالث، لكنهم خسرُوا ملحق الترقية أمام بوخوم، في الموسم التالي أضاف ثلاثة أهداف أخرى في 24 لقاءً، جذب انتباه أندية أكبر مثل أياكس ويوفنتوس، لكن الإصابات البسيطة بدأت تظهر، كسر في الإصبع أو شد عضلي يُبقيه خارج التشكيلة أسابيع.
عاد إلى اليونان في يوليو 2014 بعقد خماسي مع أولمبياكوس، النادي الذي رآه يلعب طفلًا في تريكالا، دخل بديلًا في أول مباراة رسمية أمام أتروميتوس في سبتمبر، خسر الفريق 0ـ1 لكنه شعر بالانتماء فورًا، في موسم 2014ـ2015 أسهم في الفوز بالدوري والكأس، لعب 22 مباراة وسجل ثلاثة أهداف، كان يتدرب بجانب نجوم مثل هوليباس ودومينجيز، يتعلم منهم كيف يقرأ اللعب قبل أن يبدأ.
الموسم التالي 2015ـ2016 كان نقطة التحول، في الدوري اليوناني سجل 12 هدفًا وصنع 17 أخرى، أصبح هداف الدوري وصانع اللعب الأول، في الدوري الأوروبي أمام أرسنال سجل من ركلة مرمى مباشرة في الزاوية، أصبح الثالث في تاريخ أولمبياكوس في تسجيل 10 أهداف وصنع 10 في موسم واحد، مدد عقده حتى 2020 على الرغم من العروض الأوروبية.
شهد موسم 2023ـ2024 أفضل فترات النجاح للاعب اليوناني، حين قاد أولمبياكوس إلى فوز بكأس دوري المؤتمر الأوروبي أمام فيورنتينا الإيطالي، رفع الكأس كقائد أمام 50 ألف متفرج، في الدوري فازوا بالبطولة للمرة الـ47، أصبح ثاني أكثر لاعب مشاركة في تاريخ النادي بـ300 مباراة، في المنتخب لعب 56 مباراة وسجل 9 أهداف حتى 2025، آخرها في تصفيات كأس أوروبا 2024.
في أغسطس 2024 وقّع مع الخليج لعامين، كان التحدي جديدًا، حرارة تصل 45 درجة، لاعبون من آسيا وإفريقيا يلعبون بسرعة مختلفة، في أول مباراة سجل هدفه من ركلة حرة، في نوفمبر 2025 فاز بجائزة أفضل لاعب في الشهر، أول يوناني يحقق ذلك في الدوري السعودي.
فورتونيس يركز الجمعة مع زملائه على تجاوز الخلود وبلوغ المربع الذهبي لكأس الملك وربما التتويج بالكأس بقيادة المحاربين اليونانيين.
