من عادة العرب أن يختلفوا على كل شيء تقريبًا، لكنهم يتفقون على أمرين لا ينافَسان: كرة تُركل، وقطرة تُشرب. ولهذا يجد السعوديون والمغاربة أنفسهم غدًا موزّعين بين شاشتين: شاشة تلاحق كرات «الأخضر» في لوسيل، وأخرى تترقب ابتكار حوّاس الشمري في جدة وهو ينافس على جائزة الابتكار العالمية في المياه.
المشهد لطيف بما يكفي ليرسم الابتسامة على الوجه: في الدوحة صراع على نقاط مجموعة في بطولة كأس العرب، وفي جدة صراع من نوع آخر على نقطة مياه أنقى، وحلول أذكى، ضمن سباق شارك فيه أكثر من 2570 مبتكرًا من أكثر من 119 دولة، حتى بقي في القائمة قبل النهائية 36 مبتكرًا فقط من 22 دولة، من بينهم سعودي واحد ومغربي واحد.. وكأن القدر قرَّر أن يضعنا نحن والمغاربة في «ديربي» من نوع مختلف: كرة هناك.. وابتكار هنا
عادةً، حين نقترب من مباراة حاسمة، تمتلئ المجالس بتحليل التشكيلة، وخطة المدرب، ومن يجب أن يلعب، ومن يجب أن يجلس على الدكة حتى إشعار آخر. لكن قلّما نسمع نقاشًا بالحماس نفسه عن شاب سعودي يقف في مختبر أو أمام لجنة تحكيم علمية دولية في مسابقة تُعنى بجودة المياه وإعادة الاستخدام، ويواجه منافسين من جامعات ومراكز أبحاث حول العالم.
حوّاس الشمري لا يرتدي قميصًا يحمل رقمًا على ظهره داخل الملعب، لكنه يدخل غدًا ملعبًا لا يقل صعوبة: مسار تحسين جودة المياه وإعادة استخدامها، ضمن ستة مسارات رئيسة تشمل التحلية والمعالجة والحوكمة والتقنيات الذكية. هناك لا يوجد «حكم VAR» يعيد اللقطة ببطء، بل لجان علمية دولية تفحص الفكرة من كل زاوية: مستوى الابتكار، قابلية التطبيق، الأثر المستدام، وحجم الإضافة التي يقدّمها المشروع للعالم.
اللطيف في القصة أنَّ المنافسة ليست فقط «سعودية ـ مغربية» على العشب الأخضر، بل أيضًا على منصات العلم. ففي لائحة المتأهلين، يبرز اسم المغربي عز الدين الحصوني من جامعة محمد الخامس في الرباط منافسًا على الجائزة، جنبًا إلى جنب مع حوّاس الشمري. الجمهور في الملعب قد يهتف ضد منتخب الخصم، لكن في قاعة الابتكار يمكنك أن تصفق للفكرة الجيدة حتى لو جاءت من دولة أخرى، لأن الكرة هناك اسمها «مستقبل المياه»، وإذا خسرها أحدنا سنخسرها جميعًا.
غدًا، عندما يطلق الحكم صافرته في لوسيل، سيشدّ السعوديون أنظارهم نحو مرمى المغرب بحثًا عن هدف مبكر يريح الأعصاب. وفي التوقيت نفسه تقريبًا، سيكون هناك «مرمى» آخر في جدة، تسعى إليه أفكار حوّاس ورفاقه من المبتكرين: تقليل الفاقد المائي، رفع كفاءة المعالجة، وإيجاد حلول ذكية لمشكلة عالمية اسمها الندرة. الأول يسجّل في الشباك، والثاني يسجّل في التاريخ العلمي.
المفارقة اللطيفة أنَّ جائزة الابتكار العالمية للمياه لم تولد كبيرة، فقد بدأت بعدد مشاركات أقل بكثير، ثم تضاعفت أرقام المتقدمين والدول المشاركة خلال ثلاث سنوات فقط، ما يعكس كيف تحوّل ملف المياه إلى ساحة تنافس علمي شرس عالميًّا. نحن هنا لا نتكلم عن كأس تُرفع في منصة، بل عن أفكار يمكن أن تغيّر حياة مدن وقرى، وتقلل معاناة ملايين الناس في دول تعاني من العطش.
السعودية اليوم لا تكتفي بأن تكون «مستهلكًا» للتقنيات، بل تستضيف مؤتمرات وجوائز وتستقطب العقول، وتدفع بأبنائها وبناتها إلى هذه المنصات. وجود مبتكر سعودي وحيد في قائمة قصيرة ليس مدعاة ضغط عليه بقدر ما هو دعوة لنا لكي نعامله كأن خلفه «مدرجًا» كاملًا يصفق له، ولو عن بُعد. يكفيه أن يعرف أن وراءه جمهورًا ينتظر اسمه عند إعلان النتائج كما ينتظر اسم صاحب الهدف في مباراة حاسمة.
حوّاس نفسه قال جملة بسيطة لكنها تختصر المشهد: «يشرفني أن أكون المبتكر السعودي الوحيد ضمن القائمة النهائية للجائزة العالمية، وأسأل الله أن أحقق الفوز وأن أمثل وطني على الوجه الذي يليق به». هذه الجملة وحدها تكفي لتُفهمنا أنَّ المسألة لم تعد مجرد مشروع بحثي، بل مسؤولية تمثيل وطن في واحدة من أهم قضايا القرن: الماء.
لذلك، ربما يكون من الجميل غدًا أن نقسّم التشجيع على «شاشتين»: في الأولى نهتف للأخضر، وفي الثانية ننتظر حوّاس. وإن أردنا أن نمارس هوايتنا العربية الأصيلة في توقع النتائج، فلنتمنَّ أن ينتهي اليوم بصدارة مزدوجة: فوز في لوسيل يفرح القلوب، وفوز في جدة يرفع اسم المملكة في محافل الابتكار العالمي.
(السوط الأخير)
مناي من الدنيا علوم أبثهـــــا
وأنشرها في كل باد وحاضـــــــــر
دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر
المشهد لطيف بما يكفي ليرسم الابتسامة على الوجه: في الدوحة صراع على نقاط مجموعة في بطولة كأس العرب، وفي جدة صراع من نوع آخر على نقطة مياه أنقى، وحلول أذكى، ضمن سباق شارك فيه أكثر من 2570 مبتكرًا من أكثر من 119 دولة، حتى بقي في القائمة قبل النهائية 36 مبتكرًا فقط من 22 دولة، من بينهم سعودي واحد ومغربي واحد.. وكأن القدر قرَّر أن يضعنا نحن والمغاربة في «ديربي» من نوع مختلف: كرة هناك.. وابتكار هنا
عادةً، حين نقترب من مباراة حاسمة، تمتلئ المجالس بتحليل التشكيلة، وخطة المدرب، ومن يجب أن يلعب، ومن يجب أن يجلس على الدكة حتى إشعار آخر. لكن قلّما نسمع نقاشًا بالحماس نفسه عن شاب سعودي يقف في مختبر أو أمام لجنة تحكيم علمية دولية في مسابقة تُعنى بجودة المياه وإعادة الاستخدام، ويواجه منافسين من جامعات ومراكز أبحاث حول العالم.
حوّاس الشمري لا يرتدي قميصًا يحمل رقمًا على ظهره داخل الملعب، لكنه يدخل غدًا ملعبًا لا يقل صعوبة: مسار تحسين جودة المياه وإعادة استخدامها، ضمن ستة مسارات رئيسة تشمل التحلية والمعالجة والحوكمة والتقنيات الذكية. هناك لا يوجد «حكم VAR» يعيد اللقطة ببطء، بل لجان علمية دولية تفحص الفكرة من كل زاوية: مستوى الابتكار، قابلية التطبيق، الأثر المستدام، وحجم الإضافة التي يقدّمها المشروع للعالم.
اللطيف في القصة أنَّ المنافسة ليست فقط «سعودية ـ مغربية» على العشب الأخضر، بل أيضًا على منصات العلم. ففي لائحة المتأهلين، يبرز اسم المغربي عز الدين الحصوني من جامعة محمد الخامس في الرباط منافسًا على الجائزة، جنبًا إلى جنب مع حوّاس الشمري. الجمهور في الملعب قد يهتف ضد منتخب الخصم، لكن في قاعة الابتكار يمكنك أن تصفق للفكرة الجيدة حتى لو جاءت من دولة أخرى، لأن الكرة هناك اسمها «مستقبل المياه»، وإذا خسرها أحدنا سنخسرها جميعًا.
غدًا، عندما يطلق الحكم صافرته في لوسيل، سيشدّ السعوديون أنظارهم نحو مرمى المغرب بحثًا عن هدف مبكر يريح الأعصاب. وفي التوقيت نفسه تقريبًا، سيكون هناك «مرمى» آخر في جدة، تسعى إليه أفكار حوّاس ورفاقه من المبتكرين: تقليل الفاقد المائي، رفع كفاءة المعالجة، وإيجاد حلول ذكية لمشكلة عالمية اسمها الندرة. الأول يسجّل في الشباك، والثاني يسجّل في التاريخ العلمي.
المفارقة اللطيفة أنَّ جائزة الابتكار العالمية للمياه لم تولد كبيرة، فقد بدأت بعدد مشاركات أقل بكثير، ثم تضاعفت أرقام المتقدمين والدول المشاركة خلال ثلاث سنوات فقط، ما يعكس كيف تحوّل ملف المياه إلى ساحة تنافس علمي شرس عالميًّا. نحن هنا لا نتكلم عن كأس تُرفع في منصة، بل عن أفكار يمكن أن تغيّر حياة مدن وقرى، وتقلل معاناة ملايين الناس في دول تعاني من العطش.
السعودية اليوم لا تكتفي بأن تكون «مستهلكًا» للتقنيات، بل تستضيف مؤتمرات وجوائز وتستقطب العقول، وتدفع بأبنائها وبناتها إلى هذه المنصات. وجود مبتكر سعودي وحيد في قائمة قصيرة ليس مدعاة ضغط عليه بقدر ما هو دعوة لنا لكي نعامله كأن خلفه «مدرجًا» كاملًا يصفق له، ولو عن بُعد. يكفيه أن يعرف أن وراءه جمهورًا ينتظر اسمه عند إعلان النتائج كما ينتظر اسم صاحب الهدف في مباراة حاسمة.
حوّاس نفسه قال جملة بسيطة لكنها تختصر المشهد: «يشرفني أن أكون المبتكر السعودي الوحيد ضمن القائمة النهائية للجائزة العالمية، وأسأل الله أن أحقق الفوز وأن أمثل وطني على الوجه الذي يليق به». هذه الجملة وحدها تكفي لتُفهمنا أنَّ المسألة لم تعد مجرد مشروع بحثي، بل مسؤولية تمثيل وطن في واحدة من أهم قضايا القرن: الماء.
لذلك، ربما يكون من الجميل غدًا أن نقسّم التشجيع على «شاشتين»: في الأولى نهتف للأخضر، وفي الثانية ننتظر حوّاس. وإن أردنا أن نمارس هوايتنا العربية الأصيلة في توقع النتائج، فلنتمنَّ أن ينتهي اليوم بصدارة مزدوجة: فوز في لوسيل يفرح القلوب، وفوز في جدة يرفع اسم المملكة في محافل الابتكار العالمي.
(السوط الأخير)
مناي من الدنيا علوم أبثهـــــا
وأنشرها في كل باد وحاضـــــــــر
دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر