كوزمين.. ملياردير يقود الحلم الأبيض

الرياض - إبراهيم الأنصاري Ibrahimal_ansar@ 2025.12.12 | 04:21 pm

«يمكنك فعل أي شيء في الحياة، المهم أن تبقى إنسانًا!»، بهذه العبارة التي تعلمها من من والده يلخص الروماني كوزمين أولاريو، مدرب منتخب الإمارات الأول لكرة القدم، مبدأه في الحياة منذ طفولته في شوارع بوخارست حتى بلوغه الـ56 عامًا، وهو يجلس في فلته الفارهة في أحد أحياء مدينة دبي.
في أحياء بوخارست العتيقة، نشأ كوزمين أولاريو، مدرب منتخب الإمارات الأول لكرة القدم، عام 1969 أصغر أبناء عائلة متواضعة، يحمل في عروقه مزيجًا من العناد والفضول الذي يدفع الأطفال نحو المغامرات غير المدروسة، كان الفتى الذي يُدعى كوزمين يتسلل إلى ساحة المدرسة ليشارك إخوتَه الأكبرَ سنًّا في مباريات كرة قدم عفوية، هم في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة، يحملون قوة الشباب الكاملة، بينما هو يتعثر في خطواته الأولى، يرتكب الأخطاء التي تثير غضبهم فيطردونه خارج الملعب، لكنه ينتظر اللحظة التي تسقط فيها الكرة خارج الخطوط، يلتقطها بسرعة البرق ويحتفظ بها حتى يضطرون إلى الاعتذار أو العقاب الذي يتبعه.
كانت تلك الأيام تملأ يديه بالكدمات والضحكات المكبوتة، وهو يركض خلف الحافلة دون تذكرة ليوفر النقود التي تحولها إلى مضاعفات في جولات اللعب اليومية، حيث يدفع كل لاعب عشر ليرات لمباراة سباعية، والفائز يعود بضعف المبلغ، على أرضية إسمنتية قاسية تكسر الرؤوس والمرفقين، لكن الخسارة لم تكن خيارًا يُحتمل، كان يغير إشارات المرور ليفتح الطريق أمام أصدقائه، يرتكب كل أنواع الشقاوة التي تجعل الجيران يهزون رؤوسهم، ومع ذلك، في الصف السادس بمدرسة بورتاري، حصل على درجات جيدة تعكس جانبًا آخر من شخصيته، تلك التي تجمع بين الفوضى والانضباط. انتقل بعد ذلك إلى مدرسة أفضل، مليئة بأقران مجتهدين ساعدوه في رسم خطوط حياته الأولى، علموه أن العالم خارج جدران الفصول يحمل دروسًا أعمق، يجب على الإنسان أن يعرف حدوده وقدراته، وأن يمسك بعزيمة صلبة ليصل إلى الوجهة التي يرسمها في أحلامه، كانت الرياضة خيارًا طبيعيًا له، ربما كان يميل نحو الملاكمة في البداية، لكن فرصة كرة القدم جذبته إلى الملاعب، حيث بدأ لاعبًا في صفوف الشباب بستيوا بوخارست في سن الثانية عشرة، يرتدي التريكو الأحمر والأزرق إلى جانب أقران، مثل ماريان إيفان، تحت إشراف مدربين، مثل كارول هايدو، الذي شكّل جيلًا كاملًا من اللاعبين.
انتقل لاحقًا إلى أندية، مثل أولمبيا بوخارست، وأونيفرسيتاتيا كرايوفا، ثم إلى الخارج في كوريا الجنوبية مع سوون سامسونج بلو وينجز، حيث فاز بلقب الدوري مرتين في 1998 و1999، وكأس الدوري وكأس السوبر مرتين، قبل أن ينهي مسيرته لاعبًا في اليابان مع جي إف يونايتد إيتشيهارا تشيبا في 2000.
في تلك الأعوام، تعرّف على لومينيا، الفتاة التي أصبحت شريكة حياته في سن الثامنة عشرة، زواجهما المبكر أعاد تشكيل مساره، حوّل الشقي الذي كان يعيش على حافة الفوضى إلى رجل يبحث عن الاستقرار، أنجبا دانيال الذي يبلغ الآن 36 عامًا، يعيش حياة مليئة بالرفاهية في بوخارست.
يحافظ كوزمين على خصوصية عائلته، يأخذ زوجته وابنه إلى الملاعب أحيانًا، يشاهدانه من المدرجات أو يتابعانه عبر التلفاز في أيام التوتر الشديد، حيث يجلس كل واحد في غرفته الخاصة.
يعترف كوزمين بأن مهنته سرقت منه ساعات كثيرة معهم، لكنه يشكرهم على التفهّم، فالوقت المحدود يجعل كل لحظة مشتركة أثمن، في الأعوام الأخيرة، أصبح يمارس الجيو جيتسو البرازيلية، رياضة يصفها بأنها شطرنج الجسد، حيث تتطلب الاستراتيجية تفكيرًا مستمرًا، يعود إلى المنزل يرسم في ذهنه الحركات التالية، يفوت أي تدريب لأنها تعيد إليه شعور التحدي الذي عاشه في الطفولة، الإيمان يلعب دورًا أساسيًا في يومياته.
بعد اعتزاله لاعبًا، دخل عالم التدريب مباشرة في 2000 مع إف سي ناشيونال بوخارست، كان في الثلاثين من عمره، قرار جريء يمزج بين الشجاعة والمغامرة، هناك ساعده جيجي بيكالي، رئيس النادي الذي أصبح عرّابًا له في البدايات، يقدم له الدعم والتوجيه في الاختيارات الصعبة، مثل من يلعب في التشكيلة قبل أسبوع من المباراة، انتقل في 2002 إلى ستيوا بوخارست، لكنه غادر بعد سبع مباريات بسبب نتائج ضعيفة، عاد إلى ناشيونال مديرًا، ثم تولى تيميشوارا في 2004 حيث أنهى الموسم في المركز الرابع، في 2005 قاد بوخارست وستيوا بوخارست، فاز مع الأخيرة بلقب الدوري الروماني في 2005ـ2006، وكأس السوبر في 2006، أدخل ستيوا إلى نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي، حصل على ميدالية الاستحقاق الرياضي من الرئيس ترايان باسيسكو.
في 2007 غادر رومانيا نحو آسيا مع الهلال السعودي، فاز بالدوري في 2007ـ2008، وكأس ولي العهد مرتين في 2007ـ2008، و2008-2009، انتقل إلى السد القطري في 2009، ثم العين الإماراتي، وشباب الأهلي.
في 2014ـ2015، درّب المنتخب السعودي مؤقتًا، ثم جيانجسو سونينج الصيني من 2018 إلى 2021، عاد إلى الإمارات مع الشارقة في 2021، حقق كأس رئيس الإمارات مرتين في 2021ـ2022، و2022ـ2023، وكأس المحترفين في 2022ـ2023، وكأس السوبر في 2022، وصل إلى نهائي دوري أبطال آسيا 2، ونهائي كأس رئيس الإمارات، يتنافس الآن على الدوري المحلي.
في أبريل 2025، عُيّن مدربًا لمنتخب الإمارات لمدة عامين، راتبه 5.5 مليون دولار سنويًا، ثروته تقدر بنحو 50 مليون دولار، استثمر في مطعمين فاخرين في دبي، أميليا وأمارو.
في رومانيا، يبني مجمعًا سكنيًا في بوكور أوبور قرب بوخارست، لأنه لا يرى نفسه يدرّب حتى الثمانين كميرتشا لوشيسكو.