بعد أيام قليلة، سيضج عالم التواصل المؤسسي، وستتسابق الجهات الحكومية والخاصة للتغني بـ «اليوم العالمي للغة العربية» الموافق لـ 18 من ديسمبر. سنسمع المدائح المكررة، ونقرأ المعلقات، ونشاهد التصاميم التي تتزين بحروف الضاد. وسط هذا الضجيج الاحتفالي، ثمة صمت مطبق في أروقة صنع القرار تجاه «السياسات» الحقيقية لتمكين هذه اللغة.
قبل 15 شهرًا، ومن منبر «الرياضية»، كتبت مقالاً بعنوان «بنزيما في دوري المزارعين»، لم يكن الهدف منه نقدًا فنيًا، بل كان استنهاضًا لراسمي السياسات الرياضية والثقافية لفرض تعلم العربية على نجومنا العالميين. كان الطرح بسيطًا ومباشرًا في آن واحد: «الاندماج يبدأ باللسان». طالبت بأن تكون العربية شرطًا، لا خيارًا، ليكون هؤلاء النجوم سفراء لثقافتنا لا مجرد عابرين في ملاعبنا، كما تفعل الأندية الألمانية مع أجانبها من لاعبين ومدربين.
واليوم يمر الوقت ولا صدى نسمعه، ولا ملمحًا لتغيير نراه. إن هذا التجاهل لنداءات الأقلام لصالح الإنصات «لإرشادات الاستشارات» المعلبة، هو أقصر طريق لإحباط القلم، وانطفاء جذوة النفس، وخفوت شعلة الفكر. فالكاتب لا يكتب ليملأ المساحات البيضاء، بل ليترك أثرًا.
إن حصر اللغة في دائرة «الفلكلور» بدلاً من دائرة «السيادة» تمثل مظهرًا للمشكلة. العربية ليست قصائد زهير بن أبي سلمى، أو شطر بيت لحافظ إبراهيم. العربية ليست تنطع لسان أو فصاحة بيان، بل لغة قوم اسم مملكتهم «العربية» السعودية، ويسكنون في جزيرة العرب.
نحن لا نستحق أن نموضع أنفسنا في خانة التابع لغويًا، ونحن أصحاب الريادة. نريد للعربية أن تؤثر كما تتأثر، وتقود لا تُقاد، وأن تُعامل كلغة بالغة راشدة، لا كطفلة يتيمة نكتفي بالمسح على رأسها في يوم واحد من السنة.
دعوتنا في الـ 18 من ديسمبر ليست للاحتفال البروتوكولي، بل للمساءلة والمراجعة: أين هي مؤشرات الأداء اللغوي في عقود اللاعبين والمدربين؟ أين هي سياسات العربية في أروقة الشركات الكبرى؟.
علينا أن ننتقل فورًا من مرحلة «التغني» بالعربية بأنها إرث ماضٍ، إلى «تبني» العربية بوصفها قوة ناعمة واستراتيجية مستقبل.
هيا بنا نحو الاستقلال والتحرر اللغوي، فهذا هو الانفتاح الحقيقي على الآخر بندية واقتدار، لا الانكفاء على الذات ولا الذوبان في الآخر. وليكن روشن «دوري مزارعين» حقيقي حين يغرس العربية في ألسن العجم وعقودهم وعقولهم.
قبل 15 شهرًا، ومن منبر «الرياضية»، كتبت مقالاً بعنوان «بنزيما في دوري المزارعين»، لم يكن الهدف منه نقدًا فنيًا، بل كان استنهاضًا لراسمي السياسات الرياضية والثقافية لفرض تعلم العربية على نجومنا العالميين. كان الطرح بسيطًا ومباشرًا في آن واحد: «الاندماج يبدأ باللسان». طالبت بأن تكون العربية شرطًا، لا خيارًا، ليكون هؤلاء النجوم سفراء لثقافتنا لا مجرد عابرين في ملاعبنا، كما تفعل الأندية الألمانية مع أجانبها من لاعبين ومدربين.
واليوم يمر الوقت ولا صدى نسمعه، ولا ملمحًا لتغيير نراه. إن هذا التجاهل لنداءات الأقلام لصالح الإنصات «لإرشادات الاستشارات» المعلبة، هو أقصر طريق لإحباط القلم، وانطفاء جذوة النفس، وخفوت شعلة الفكر. فالكاتب لا يكتب ليملأ المساحات البيضاء، بل ليترك أثرًا.
إن حصر اللغة في دائرة «الفلكلور» بدلاً من دائرة «السيادة» تمثل مظهرًا للمشكلة. العربية ليست قصائد زهير بن أبي سلمى، أو شطر بيت لحافظ إبراهيم. العربية ليست تنطع لسان أو فصاحة بيان، بل لغة قوم اسم مملكتهم «العربية» السعودية، ويسكنون في جزيرة العرب.
نحن لا نستحق أن نموضع أنفسنا في خانة التابع لغويًا، ونحن أصحاب الريادة. نريد للعربية أن تؤثر كما تتأثر، وتقود لا تُقاد، وأن تُعامل كلغة بالغة راشدة، لا كطفلة يتيمة نكتفي بالمسح على رأسها في يوم واحد من السنة.
دعوتنا في الـ 18 من ديسمبر ليست للاحتفال البروتوكولي، بل للمساءلة والمراجعة: أين هي مؤشرات الأداء اللغوي في عقود اللاعبين والمدربين؟ أين هي سياسات العربية في أروقة الشركات الكبرى؟.
علينا أن ننتقل فورًا من مرحلة «التغني» بالعربية بأنها إرث ماضٍ، إلى «تبني» العربية بوصفها قوة ناعمة واستراتيجية مستقبل.
هيا بنا نحو الاستقلال والتحرر اللغوي، فهذا هو الانفتاح الحقيقي على الآخر بندية واقتدار، لا الانكفاء على الذات ولا الذوبان في الآخر. وليكن روشن «دوري مزارعين» حقيقي حين يغرس العربية في ألسن العجم وعقودهم وعقولهم.