سينا.. الرجل الذي احترم عقول محبيه

الدمام ـ خالد الشايع khalid_shayea@ 2025.12.18 | 06:20 pm

انتهت القصة، وأعلن جون فيليكس أنتوني سينا، المصارع الأمريكي الأشهر، الاعتزال، وعلق حذاءه «هكذا يفعلون في عالم مصارعة المحترفين»، في سن تعد صغيرة نسبيًا في عالم مصارعة المحترفين، بالكاد بلغ عامه الـ 48.



اعتزل سينا في مشهد تابعه عشرات الملايين من محبي رياضة الترفيه حول العالم في عرض أسبوعي، وبطرقة درامية، رسمت نهاية حزينة ولكن مثالية للأسطورة.



كتب سينا، الحرف الأخير من ملحمته الأسطورية، في نزال مع النمساوي جونتر، خسره كما هي العادة في مباريات الاعتزال، جيل يسلم الراية لجيل آخر، هكذا رسم فينس مكموهان الطريق لنجوم المصارعة، لكي تحظى بالفرصة، عليك أن تمنحها لغيرك في نهاية المشوار.



في ليلة الرحيل، انتصرت الرياضة على فن الترفيه، هكذا فعل سينا، طوال مشواره مع اللعبة، الليلة الأخيرة لم تكن استثناء.



على الحلبة، لم يكذب سينا ويحاول تصدير شخصية الرياضي على الرغم من بنيته الجسدية المذهلة، متمسكًا بدوره في الحلبة، متسلحًا بثلاثي، الولاء، ، والاحترام، لهذا كان الوجه الأول لعالم مصارعة المحترفين لأكثر من عقدين، حتى عندما اختار التحول إلى شرير أتقن الدور ببراعة جعلت الجمهور يُذهل من التغير على شخصيته المحبوبة والودودة، لذا ليس غريبًا أن سينا يحقق نجاحًا ساحقًا، ويكون النجم المحبوب الأول، ووجه عالم مصارعة المحترفين.



تابع عشرات الملايين رحلته الوداعية، الإجبارية، كان يمكن أن يقدم أعوامًا قادمة من اللعب، ولكن سرطان الجلد الذي يعاني منه لا يرحم.



في مارس 2025، أعلن سينا، عن عودة سرطان الجلد، لينهش جسده للمرة الثانية، معترفًا بإهماله العلاج بسبب ارتباطاته التي لا تنتهي مع الحلبة، والتي بلغت متوسط 102 ظهور خلال العام، تم اكتشاف البقعة الأولى على صدره، والثانية على كتفه بعدها بعام، وخضع لعلاج مكثف ونجح في إزالة البقع السرطانية، ولكن لكي ينجح في التغلب عليه للأبد، يحتاج لتفرغ كامل، لهذا كان قرار الاعتزال.



يعترف سينا بأن تلقيه التشخيص كان تجربةً مُقلقةً للغاية، في مقابلةٍ مع مجلة People، وصف لحظة تلقيه الخبر بأنها غير متوقعة ومُخيفة «يا رجل، هذه المكالمة الهاتفية ليست ما تريد الحصول عليه لأنها غير متوقعة ولا تعرف مدى سوئها»، ذهب عقله غريزيًا إلى أسوأ السيناريوهات، وتخيل نتائج مروعة حتى قبل أن يفهم النطاق الكامل لحالته.



قبل نحو خمسة أعوام، تحدى جون سينا، أنه سيكون المصارع الذي سيفوز بأكثر لقب لبطولة العالم في التاريخ، عاقدًا العزم على تجاوز الأسطورة ريك فلير الذي يتساوى معه بـ 16 بطولة عالم، لكل منهما، كان يفصله عن هدفه الكبير لقب واحد فقط، اليوم، وبعد فوزه باللقب للمرة الـ 17، بات صاحب الرقم القياسي، فوق ذلك فاز بلقب القارات، ليكون المصارع الوحيد الذي حقق جميع ألقاب المصارعة الأمريكية.



ولد جون سينا في 23 أبريل، 1977، في ويست نيوبيري، ماساتشوستيس، شمال الولايات المتحدة، قبل أن يكمل عامه العاشر، بدأ هوسه بعالم رياضات القوة، بدأ في رفع الأثقال وهو في سن ما قبل المراهقة وقرر لاحقًا ممارسة مهنة كمال الأجسام، الهوس الذي تحول لاحقًا لميزته التي لا ينافسه عليها أحد، قوة بدنية، وعضلات مفتولة، مع صدر عريض، مميزات حولته لجندي المارينز الذي لا يُقهر.



بالنسبة لسينا، لم تكن فكرة احتراف المصارعة فكرةً غريبةً تمامًا. كان والده جون الأب، المعروف بجوني فابيولس، يكسب عيشه كمعلق مصارعة في طفولته، نشأ سينا الابن في ضواحي ماساتشوستس، وكان يقضي ساعات طويلة أمام شاشة التلفزيون يشاهد أبطاله في المصارعة، مثل هوجان، وواريور وشون مايكلز وهم يتقاتلون على الحلبة.



نقطة التحول في حياة سينا، كانت خلال محادثة غير رسمية أجراها مع مصارع في جولدز الذي شجعه على أخذ دروس في مدرسة المصارعة اللامتناهية.



كان صعود سينا إلى أعلى مستويات المصارعة سريعًا، في العام الذي ظهر فيه للمرة الأولى، فاز ببطولة للوزن الثقيل، ولفت انتباه انتباه فينس مكماهون، الرجل الأول في عالم المصارعة، فسارع لجلبه إلى عالم مصارعة المحترفين.



ظهر سينا للمرة الأولى في عرض مباشر، ليرد على تحدٍ مفتوح، لبطل العالم السابق، والبطل الأولمبي كيرت أنجل يوم 27 يونيو 2002، كان يومًا مشهودًا، اليوم الذي شهد ولادة جون سينا، تمكن جون سينا من مواجهة حركة أنجل سلام وحركة إخضاع الكاحل، لكنه خسر في النهاية، مع ذلك كانت ولادة الأسطورة مستحقة.



بعد أكثر من 26 عامًا قضاها في عالم مصارعة المحترفين سواء كانت الرياضة شعبية أم لا، فإنه حقق فيها الكثير، منذ ظهوره الأول في عام 1999، وحتى اليوم، أثبت سينا مرارًا وتكرارًا أنه النجم الأشهر، الذي نقل اللعبة لمستوى مختلف تمامًا.
فاز بـ 23 بطولة في المجموع «رقم قياسي» منها 17 لقبًا لبطولة العالم، كما لديه رابع أعلى عدد من الأيام مجتمعة كبطل للعالم، خلف بوب باك لاند، وهالك هوجان، وبرونو سامارتينو.



يكمن سر نجاح جون سينا في مزيج من المهارات البدنية العالية، والشخصية الجذابة والجماهيرية، وقدرته على التكيف والنمو في مسيرته المهنية، بالإضافة إلى ذلك، لعب الدعم الكبير من WWE دورًا حاسمًا في تعزيز شعبيته.



في مطلع العام، أدرك سينا أنه وصل لخط النهاية، ولكنه فضل أن يكون ذلك دراميًا، من خلال مباريات ملحمية، في مسيرة الاعتزال، فعل خلالها ما لم يفعله طوال مشواره الرياضي، تحول لمشاغب، فاز بلقب العام، وبطولة القارات، ورحل بصخب نادر.



وتذكر سينا وعده للجمهور: «عندما أبطئ خطوتي، أُطرد»، وقال: «وأنا بطيء بخطوة واحدة، اليوم أتوقف».
كان هناك خياران لكيفية سير مسيرة الاعتزال. الأول هو أن يسلك سينا طريق فرقة موسيقية عفا عليها الزمن، ويعزف جميع الأغاني الناجحة، ويرسل الجميع إلى منازلهم سعداء. أما الخيار الثاني فكان أكثر إثارةً للاهتمام، ولكنه أقرب إلى المخاطرة : ماذا لو ذهب سينا إلى الجانب المظلم؟، في النهاية هذا ما حدث.



في النهاية، لن يتوقف ظهور سينا، ليس على الحلبات، ولكن في دور السينما، حيث يتجه للعمل بدوام كامل، بعد أن بات اسمًا مألوفًا في أفلام الحركة، وأيضًا في الكوميديا، بعد 20 عامًا على تجربته الأولى في التمثيل، نجح جون سينا في ترسيخ هويته كشخص يتمتع بموهبة نادرة في الجمع بين الحركة والكوميديا مع القليل من السخرية من الذات.