جبر بن محمد الشايقي
«نظام الرياضة الجديد.. قرار من نقطة الجزاء»
2025-12-20
التقيتُ مؤخرًا بأحد الزملاء الصحفيين في حديثٍ عابر، لكنه كان عميق الدلالة، حين ذكر لي معلومة لافتة مفادها أن لكل لعبة رياضية مهما اختلفت قوانينها، آلية عقابية حاسمة تُمنح عند ارتكاب مخالفة مؤثرة، وتُشبه في فلسفتها ركلة الجزاء في كرة القدم، لحظة حاسمة تُتخذ فيها القرارات، وتُصحَّح فيها الأخطاء، ويُعاد بها التوازن إلى سير اللعبة.
ومن هذا المعنى، بدا لي أنَّ نظام الرياضة الصادر مؤخرًا يُعدّ الضربة الحاسمة، أو «قرار نقطة الجزاء»، الذي جاء تعزيزًا لوضع المنظومة الرياضية في مسارها الصحيح.
في لحظات الحسم، لا تُترك القرارات للاجتهاد أو التأجيل، بل تُتخذ بوضوح وحزم. وهكذا جاء النظام كقرار استراتيجي، يضع الكرة في مرمى التنظيم والحوكمة، ويمنح القطاع الرياضي فرصة حقيقية للانتقال إلى مرحلة أكثر احترافية واستدامة، انسجامًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي جعلت من الرياضة ركيزة أساسية لجودة الحياة والتنمية الاقتصادية.
ولم يكن الوصول إلى هذا الإطار التشريعي المتكامل وليد لحظة، بل جاء نتيجة جهود مؤسسية متراكمة قادها المسؤولون في وزارة الرياضة على رأسهم صاحب السمو الملكي وزير الرياضة، عبر عمل تشريعي وتنظيمي منهجي، شمل دراسة واقع المنظومة الرياضية، والاستفادة من التجارب الدولية، والاستماع إلى ملاحظات الاتحادات والأندية والمستثمرين، بما يضمن نظامًا قابلًا للتطبيق، ومتوازنًا بين الطموح والواقع.
يمثل النظام إطارًا تشريعيًّا متكاملًا ينظم مختلف الأنشطة الرياضية، ويحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات بين الجهات ذات العلاقة، بدءًا من وزارة الرياضة، مرورًا بالاتحادات واللجان الرياضية، وصولًا إلى الأندية والقطاع الخاص والممارسين.
كما تُمنح ضربة الجزاء لتصحيح خطأ داخل الملعب، جاء النظام الجديد ليؤكد تعزيز الحوكمة والشفافية كعنصرين لا غنى عنهما في إدارة الشأن الرياضي، من خلال تنظيم الهياكل الإدارية، وتحديد آليات اتخاذ القرار، وتعزيز الرقابة المالية والإدارية، والحد من تضارب المصالح، ممّا يسهم هذا التأطير برفع كفاءة الأداء المؤسسي، وتقليل العشوائية، وتعزيز العدالة والنزاهة، بما ينعكس إيجابًا على نتائج العمل الرياضي واستقراره.
كما لا يمكن أن تستمر أي لعبة دون قواعد مالية واضحة، وهو ما أدركه النظام الجديد عبر دعمه لمسار الاستثمار والاستدامة المالية، من خلال إتاحة نماذج مرنة للخصخصة، والرعاية، والتشغيل التجاري، وتنويع مصادر الدخل، ويرتبط هذا التوجه بمرحلة جديدة تعتمد على كفاءة الإنفاق، وربط الدعم بالأداء والامتثال، بما يضمن بناء أندية واتحادات قادرة على المنافسة والاستمرار والديمومة.
كما أولى النظام اهتمامًا بحماية حقوق جميع أطراف المنظومة الرياضية، من لاعبين ومدربين وإداريين ومستثمرين، عبر تنظيم العقود الرياضية، وتحديد آليات فض النزاعات، وتعزيز الانضباط والعدالة.
وهنا تتجلى أهمية «قرار نقطة الجزاء» في إعادة التوازن، وبناء بيئة احترافية مستقرة، تقل فيها النزاعات، وتزداد فيها الثقة، وهو ما تحتاجه الرياضة السعودية في هذه المرحلة.
ومن موقع الاهتمام بالإعلام الرياضي، فلا شك أن نجاح نظام الرياضة الجديد لا يكتمل دون إعلام رياضي واعٍ ومسؤول، يقوم بدور الحكم المساعد، في شرح الأنظمة، ونشر ثقافة الالتزام، ومتابعة التطبيق بموضوعية، وتسليط الضوء على النجاحات والتحديات دون تهويل أو تقليل، فالإعلام هنا ليس مجرد ناقل للحدث، بل شريك في ترسيخ الحوكمة وبناء الوعي العام.
ختامًا، يمكن القول إن نظام الرياضة الجديد هو بالفعل قرار من نقطة الجزاء، اتُّخذ في لحظة حاسمة، ليرسّخ رسم المشهد الرياضي السعودي على أسس احترافية ومستدامة، ويمضي به بثبات نحو مستقبل يليق بطموحات الوطن ومكانته الرياضية.