خالد الربيعان
كوادر دون فضائح
2025-12-21
ليست الفضيحة في أن يخسر نادٍ قضية في الفيفا، ولا في أن تُفرض عليه عقوبة أو يُسحب منه تسجيل لاعب، الفضيحة الحقيقية هي أن تتكرر الأخطاء نفسها، بالأسماء ذاتها، وبالعقليات ذاتها، ثم نتساءل بعدها: لماذا ندفع الثمن مرة بعد مرة؟

مشاكل الأندية السعودية في الفيفا ليست قدرًا، وليست مؤامرة، وليست سوء حظ. هي نتيجة مباشرة لغياب الكوادر المؤهلة عن مواقع القرار، واستبدال الاحتراف الإداري بمنطق العلاقات، والولاءات، وجرّبناه من قبل. إدارة النادي أو الاتحاد ليست منصة اجتماعية ولا مكافأة تاريخية، بل وظيفة دقيقة تتطلب معرفة بالقانون، بالحوكمة، بالاقتصاد، وبإدارة المخاطر. وعندما تُدار الملفات بعشوائية، تصبح القضايا في الفيفا نتيجة طبيعية لا استثناء.

تأخر الخصخصة الفعلية للأندية، وتأخير الباقي لم يكن مجرد تأخير إداري، بل تأخير لبناء عقلية جديدة. الخصخصة ليست بيعًا فقط، بل تحولًا في الفكر، في المحاسبة، وفي ربط القرار بالنتيجة. طالما بقيت بعض الأندية تعيش على الدعم دون نموذج عمل واضح، ستظل القرارات مرتجلة، والالتزامات أكبر من القدرة على الوفاء، والملفات القانونية قنابل موقوتة.

أما اللوائح، فضعفها أو ضعف تطبيقها لا يقل خطورة عن غيابها. القوانين التي لا تُطبق على الجميع، أو تُفسر حسب المزاج، تخلق بيئة فوضوية، يدفع ثمنها النادي حين يصل النزاع إلى جهة لا تعترف إلا بالورق، والعقود، والنص الصريح. الفيفا لا يفهم «النية الطيبة»، ولا يعترف بكنا نعتقد ، بل يحاسب على ما كُتب وما وُقّع.

الاعتماد على الدعم دون خلق فرص استثمارية حقيقية حوّل بعض الأندية إلى كيانات استهلاكية لا إنتاجية. الدعم يجب أن يكون وقود انطلاق، لا كرسيًا للاتكاء. النادي الذي لا يبني مصادر دخل، ولا يفهم جمهوره كأصل اقتصادي، ولا يرى العلامة التجارية كقيمة، سيظل هشًا أمام أي التزام مالي أو قانوني.

ثم نأتي إلى دائرة الكراسي، تلك الحلقة المغلقة التي يتنقل فيها الأشخاص أنفسهم بين المناصب، رغم إخفاقات موثقة، وكأن الفشل لا يُحسب، أو كأن الذاكرة قصيرة. إعادة تدوير الأسماء لا تصنع استقرارًا، بل تكرر الأخطاء بوجوه مألوفة، وتغلق الباب أمام أي دم جديد قد يحمل فهمًا مختلفًا.

ولا يمكن تجاهل دور الإعلام، حين يتم إبراز وتكريم أسماء إعلامية عفى عليها الزمن، رغم إخفاقاتها، فقط لأنها تخدم مصالح متبادلة. الإعلام شريك في البناء أو الهدم، وحين يتحول إلى مظلة تبرر الأخطاء وتهاجم كل فكرة جديدة، يصبح جزءًا من المشكلة لا ناقلًا لها.

الأفكار النيرة وأصحابها غالبًا ما تُحارب لا لضعفها، بل لأنها تهدد مناطق الراحة. أصحاب الرؤى الحديثة يُقصون، بينما يُكافأ من يجيد التكرار. والنتيجة؟ أندية تتعلم بالطريقة الصعبة، وتدفع ثمن الجهل الإداري في محاكم دولية، ثم تعود لتكرر المشهد.

تكرار مصائب بعض الأندية في الفيفا ليس إلا دليلًا على أننا لم نتعلم بعد. الحل ليس في إخفاء الفضيحة، بل في منعها من الأصل. كوادر مؤهلة، أنظمة واضحة، محاسبة حقيقية، واستثمار في العقول قبل العقود. عندها فقط، سنحصل على كرة قدم بلا فضايح، لأننا ببساطة... اخترنا الكفاءة.

ورغم كل ذلك، فإن المشهد الأكبر مختلف. رؤية السعودية 2030 تمضي بثبات، لأن ما يقود الرياضة اليوم مشروع دولة لا أخطاء أفراد. وسمو سيدي الأمير محمد بن سلمان يمثل امتدادًا للإبداع والتحول، بعقلية لا تحمي الفشل ولا تجامله، بل تصحح وتبني وتفتح الطريق للكفاءة، ولهذا تتقدم السعودية رغم من لم يدركوا حجم المرحلة.