خالد الربيعان
غربلة
2025-12-28
ليست المشكلة في أن نُخطئ، فكل منظومة تعمل تُخطئ. المشكلة الحقيقية حين تتحول الأخطاء إلى نمط، ويتحوّل أصحابها إلى «ثوابت» لا تمس، وكأن الرياضة السعودية كُتب عليها أن تدور في الحلقة ذاتها مهما تغيّر الزمن وتعاظمت المشاريع. هنا تحديدًا تبدأ الحاجة إلى الغربلة... لا كقرار قاسٍ، بل كضرورة وطنية.
الرياضة السعودية اليوم لم تعد نشاطًا ترفيهيًا أو منافسات موسمية، بل صناعة متكاملة تشمل إدارة البطولات، وتنظيم الفعاليات، والتسويق، والتشغيل، والحوكمة، وبناء التجربة الجماهيرية. ومع هذا التحول الكبير، يصبح استمرار بعض الكوادر التي أثبتت التجربة فشلها أو تسببت بأضرار متكررة أمرًا لا يمكن تبريره لا بالعلاقات ولا بالتاريخ ولا بالمجاملات. فالمناصب في هذه المرحلة ليست «مكافآت»، بل مسؤوليات، وأي خطأ فيها لا يُحسب على الفرد فقط، بل يُسجل على المشروع الوطني بأكمله.
تجديد الكوادر لا يعني إقصاء الخبرة، لكنه يعني إعادة تعريفها. الخبرة الحقيقية هي القادرة على التطور، على التعلم، على العمل بعقلية احترافية تحترم الأنظمة، وتفهم الحوكمة، وتقرأ الاقتصاد، وتدير المخاطر قبل أن تتحول إلى أزمات. أما الخبرة التي تعيش على أمجاد قديمة، وتكرر الأخطاء نفسها، وتُحمِّل غيرها نتائج قراراتها، فهي عبء مهما طال بقاؤها.
ومن هنا تأتي المحاسبة كجزء أساسي من أي عملية غربلة ناجحة. المحاسبة ليست تصفية حسابات، بل تصحيح مسار. لا يمكن أن تستمر أخطاء تضر بمصلحة الرياضة السعودية دون مساءلة واضحة، شفافة، وعادلة. فغياب المحاسبة لا يحمي المنظومة، بل يضعفها، ويمنح رسالة خاطئة مفادها أن الخطأ بلا ثمن، وأن التعثر مقبول مهما تكرر.
ونحن مقبلون على مرحلة تنظيم الفعاليات الكبرى بجميع أنواعها من بطولات قارية إلى أحداث عالمية يتضاعف وزن القرار الإداري. استحقاقات بحجم كأس آسيا 2027 وكأس العالم 2034 ليست مباريات تُدار، بل منظومات تُشغَّل: لوجستيات، جماهير، حقوق بث، رعايات، أمن، تجربة ضيف، وإرث ما بعد الحدث. هذه الملفات لا تحتمل كوادر اعتادت العمل بردة الفعل أو الحلول المؤقتة.
المرحلة القادمة تحتاج إلى دماء جديدة، كوادر شابة ومؤهلة، متخصصة في تنظيم الفعاليات، إدارة الحشود، التسويق الرياضي، التشغيل، والاستدامة، تعمل بعقلية عالمية وقلب سعودي. كوادر تفهم أن النجاح لا يُقاس فقط بالنتيجة داخل الملعب، بل بجودة التنظيم، والعائد الاقتصادي، والسمعة الدولية، وبناء إرث يستمر بعد إسدال الستار. وفي المقابل، فإن إبعاد الكوادر ذات الأخطاء المستمرة ليس إقصاءً شخصيًا، بل حماية لمشروع وطني أكبر.
الغربلة ليست خيارًا تجميليًا، بل قرارًا شجاعًا. هي إعلان واضح بأن الرياضة السعودية دخلت مرحلة لا مكان فيها للتكرار، ولا حصانة فيها للخطأ، ولا تسامح فيها مع من يضر المصلحة العامة. ومن يواكب هذه المرحلة سيجد نفسه جزءًا من أعظم قصة تحول رياضي وتنظيمي في المنطقة، ومن يرفضها... فالتاريخ سيمضي من دونه.