|




أحمد الحامد⁩
صناعة الوهم
2025-06-30
لا أطيق مشاهدة الفيديوهات القصيرة التي يقول فيها المتحدث: تعلَّم كيف تنجح، وتحقق ثروةً في أقل فترةٍ. تعال أقول لك كيف تفعل ذلك! والمؤسف أن غالبية أصحاب الفيديوهات أشخاصٌ «على قد حالهم»، ولم يحققوا لأنفسهم ما يعدون به المشاهدين! والمؤسف أيضًا أن معظم الفيديوهات، تربط النجاح بتحقيق الثروة، وليس «المال» كعاملٍ مهمٍّ، فالمال مطلوبٌ وضروري، لكنْ الثروة غير ضروريةٍ لحياةٍ ناجحةٍ.
الأمر الخطير أن النجاح الذي يقصدونه، وهو توجُّهٌ عالمي في الـ «سوشال ميديا»، مرتبطٌ بالثروة، والمدة القصيرة أيضًا، ضاربين الأمثلة بجيف بيزوس، وجاك ما «مؤسِّس علي بابا»، وإيلون ماسك، وبيل جيتس مع مشاهدَ من طائراتٍ خاصَّةٍ، وسياراتٍ، ويخوتٍ، وصورٍ لملايين الدولارات.
لم تكن الحياة السعيدة يومًا على هذا الشكل. هذه مظاهرُ ثراءٍ لا أكثر، ولم يحقق كل هؤلاء ثرواتهم في فتراتٍ قصيرةٍ، ولو جلس أحدنا مع أحدهم، لاكتشف أنه مثل غيره، له أحزانه وهمومه، وحتى عقده النفسية.
الحياة لا تخلو من الضغوط والمشكلات، ولن تخلو. الاختلاف في نوعية الضغوط والمشكلات. من الواضح أن أصحاب الفيديوهات التي تَعِدُ المشاهدين بتحقيق الثروة السريعة، يبحثون عن المشاهدات، ومن الطبيعي أن يسأل المشاهد العاقل صاحبَ الفيديو: طالما أنك تعرف كيف تحقق الثروة السريعة، لماذا إذًا لم تحققها لنفسك؟
لا يمكن تحقيق الثروة بسرعةٍ، والحالات الاستثنائية لا تعدُّ مقياسًا، ولا يصحُّ ربط تحقيق الثروة بنجاح الإنسان في حياته. ليس الكل يحلم بتحقيق الثروة، فهناك مَن يرى أن الدخل الجيد، وتكوين الأسرة، وقضاء الوقت مع أفراد العائلة، هو النجاح، وهناك مَن يرى في إجادة المرء ما يصنع النجاحَ الحقيقي، وطرفٌ يرى النجاحَ في تقديم الأعمال التي تنفع الناس، وآخرُ يعتقد أن الإنسان، يكون ناجحًا إذا عاش حياته دون أن يتسبَّب بالأذى للآخرين.
فيديوهات الـ «سوشال ميديا» مملوءةٌ بالأكاذيب وبيع الوهم، وهي مُضرَّةٌ، لأنها تكرِّس فكرة النجاح في الحياة بشكلٍ خاطئ!
تمنَّيت لو كان التوجُّه العام في الـ «سوشال ميديا» عن النجاح قد ركَّز على الأخلاق، وجعل منها المعيار الأول لحياةٍ مطمئنةٍ وسعيدةٍ بدلًا من جعل الثروة، وصور الفتيات الجميلات المحيطة بالثري الصورة النمطية عن النجاح.
فيودور دوستويفسكي: «الشيطان لا يغوينا بالشرور العظيمة، بل بالتبريرات الصغيرة التي تجعلنا نتعايش معها».