|


فهد علي
نحن الحكواتية
2018-01-09

 

بلفظ شعبي "السالفة" وبلفظ أكثر رقياً "القضية" إنها تتطلب شروعاً جاداً في البحث، أي أنه تلح علينا القضية وترغمنا البدء في اتّخاذ معايير دقيقة في رؤية المشهد واضحاً أولاً ثم في فهمه بصورة سليمة ثانياً، من أجل أن يتسنى لنا كشف وجه كلماتنا وفردها على المسامع. 

 

لكن مع تدحرج "القضية" تلوى القضية بكثافة هوجاء في ظل مجتمع يوثب اجتماعياً ويتغير، نبتعد مرغمين أمام أنفسنا عن مشقة المصداقية، فبسبب اكتظاظ ما يجري ننجرف بصورة لا واعية إلى تجنب التحرّي والتأمل جراء كسلنا البحثي، واستنفادنا لياقة الرغبة في الاستقصاء، لذا على سبيل المثال في الليلة الماضية على الرغم من امتلاكي عنقاً وحيداً فقط، كنت أجلس بين أصدقائي أميل عنقي تارةً لأجيبهم عن مفهوم العلمانية، وتارة يدلف عنقي ناحية الجادة الأخرى لأجيب الصديق الآخر عن الليبرالية، ومرة ثالثة عن مشروع الإسلامي السياسي، كما مع مشارفة الجلسة على الانقضاء وقبل أن تنفض الجموع شاركتهم رأيي أيضاً في موضوعهم حول مغنية عربية إغرائية مارست تمرّدها الأخلاقي لاستقطاب الضوء وليدور اسمها في محركات البحث كما دار خصرها. 

 

وبلهث مسامعنا البحثية عن تلقف الموضوعات لإظهار حضورنا، حقيقة أني بدأت أشعر بتفشّي أعراض مرض إبداء الآراء وقد مسّني ونال مني شخصياً، فغدوت مثل الكثيرين أمتلك رغبة متزايدة في مشاركة القضايا وفرض وجودي، إذ استحدتثُ مع بداية العام "خزانة خاصة" يغص داخلها مئات الآراء المعلبة، مع الإشارة إلى أننا نحن الحكواتية، أعلن باسمي واسمهم أن نهجنا غير مبالٍ بأهمية الموضوعات ولا نرمي نظراتنا لسير المجتمع ومدى تأثير القضايا عليه، نحن أبناء اللحظة الآنية أيدينا مشرّعة وحسب على الهواتف وأفواهنا حاضرة في المجالس، منتظرين أحدث ما يطفو على سطح مجتمعنا من "السوالف" كي نصحح سير البلاد والعباد، ونسدد رميه بكلماتنا البليدة المكررة.