|


فهد علي
موسم الهجرة
2017-12-28

 

إحدى أهم روايتين عربيتين، الأولى للأديب السوداني "الطيب صالح" قادمًا للعالم بروايته ـ موسم الهجرة إلى الشمال ـ التي لاقت بوهجها رواجًا عالميًّا مدهشًا، متمثلاً في بيعها أكثر من مليون النسخة، مليون نسخة في روسيا وحدها، الأخرى أكثر محلية من كونها عالمية، للراحل الكبير غازي القصيبي، في رواية ـ شقة الحرية ـ، عملان كلاسيكيان في الأدب الحديث، قرأهما كثير من لا يجد بالسرد الكتابي طعمًا ماتعًا، ولا بالسطور رائحة الدهشة الشهية، لكنهم وجدوا بعضاً منهما في هاتين الروايتين اللتين اعتمدتا على موضوع الرحيل.

 

في ابتعاد القصيبي إلى مصر لأجل الدراسة، ووصول الطيب إلى لندن، تراءت لهما الفوارق وانبعثت في ذهنيهما الأسئلة ولمسا فكرة وجود الآخر المختلف والنقيض. 

 

وأسأل مشدوهًا مع وصول مئات آلاف المبتعثين السعوديين إلى أقطار مختلفة في قارات العالم، دون انبثاق عمل روائي واحد يحاكي الاغتراب والترحال، ويكشف في فصوله عن ما يلح على أذهاننا ويشدها في مكوثنا الدائم وسط المختلفين. 

 

لكنني أرتمي إلى حقيقة كون الهجرة التعبيرية الحالية طبيعية بتماهيها، وألا تكون تجاه التوثيق الكتابي، رغم أن الكتابة عمر بقائها أمد في وجه الأيام، كانت الهجرة إلى اليوتيوب ووسائل التواصل بمقاطع الفيديو السريعة والبرامج التواصلية المتتالية التي تمحو بعضها بعضًا، دون أن أحمل عتبًا أو تثريبًا على هذا الركض نحو العوالم الجديدة، لكن هل أبناؤنا وأحفادنا ومجتمعاتنا سيعرفون ما رأيناه، فعدسة الكاميرا لا تكشف ما رأته حدقات الإنسان بصورة مختلفة وما أحسّت به. 

 

الكتابة أيّ كتابة تكشف أشياء يلمحها الإنسان وتُفاجئه ببقائها أبدًا بذاكرته، إني مرتاب على التراجع التوثيقي والحسّي، وغياب "شقة الحرية" و"مواسم الهجرة"، رغم بقاء اعتمارنا هذه الشقق ومواصلتنا مواسم الهجرة.