|


د . رشيد الحمد
صافرة حكم.. ظالمة
2016-01-20
يعتبر العدل قيمة كبرى من القيم التي قامت عليها الدنيا والآخرة، فمن كمال عظمة الله أن من أسمائه العدل، ومن صفاته العدالة، وهناك ارتباط بين الفضائل والعدل. كما أن الكثير من المجتمعات الإنسانية التي سادت الأرض في الماضي والحاضر قامت على العدل الذي يمثل ضياء ينتشر في جميع أنحاء الحياة الإنسانية ليكسوها وداً ومحبة وتطوراً. وفي المجال الرياضي، خصوصاً كرة القدم يمثل العدل أهم مرتكزات المنظومة الرياضية، ويتجسد في نقاء وصدق وعدالة حكام المنافسات الرياضية، خاصة كرة القدم. لقد حظي التحكيم في كثير من المجتمعات الرياضية المتقدمة بالدعم والعناية، حتى أضحى محل اهتمام الكثير من المجتمعات التي تسعى للتطور والتقدم الرياضي. إن مجموعة كفايات الحكام ومهاراتهم وقدراتهم التي تفرضها عليهم السياسات الرياضية سواء في الاتحادات الدولية أو الإقليمية في المجتمعات المتقدمة لتدعو إلى الإعجاب والاقتداء، فمواصفات الحكم المحترف تبدأ من نضجه وفكره وثقافته ووعيه، وتنتهي بالمواصفات البدنية والفسيولوجية له. إن تكامل الحكم في جميع هذه العناصر المهمة في بناء قدرته على إدارة المباراة الرياضية تكون لا شيء عندما يسقط المطلب الأخلاقي والقيمي للحكم، وهو العدالة والنزاهة، ونظرته الموضوعية لجميع الفرق الرياضية التي يحكم مبارياتها نظرة واحدة، وعلى مسافة متساوية من الجميع. إن الفرق الرياضية المحلية تنفق في السنة ملايين الريالات من خلال استقطاب المدربين واللاعبين السعوديين وغير السعوديين، في سبيل تحقيق بطولة رياضية من البطولات المحلية، والارتقاء بمستوى فرقها الرياضية لتكون منافساً على المستوى الرياضي والدولي. ويمكن أن تبعثر هذه الجهود من خلال صافرة حكم دفعه ضعف مستواه وشخصيته إلى ظلم فريق جدير بالفوز والبطولة لطالما كان التحكيم عنصراً من العناصر التي قدمت لكثير من الفرق الرياضية بطولات لا تستحقها، كما أنها أجهضت وأحبطت كثيراً من الفرق الرياضية الطموحة نتيجة غياب القيمة الإنسانية الكبرى وهي العدالة، في لحظة من لحظات عن طريق حكم غير مقدر لحجم المباراة التي كلف بها ليكون قاضياً بين خصمين في ساحة واحدة، يتمتعان بنفس الحقوق والواجبات. يشير الكثير من المؤشرات الدراسية والعقلية أن هناك ارتباطاً بين نجاح المنتخبات القومية في تحقيق بطولات على المستوى الإقليمي والقاري وبين عدالة حكام فرق كرة القدم داخل هذا البلد. إن أي تحيز للحكام في أي بلد من البلدان لصالح فريق رياضي محدد، له مؤشر خطير لحالة غير صحية تنهش في جسد الرياضة داخل هذا البلد، وسترمي بظلالها السلبية على كل نواحي العمل الرياضي في هذا البلد مما ينعكس سلباً على أداء الفرق القومية لهذه البلدان. بكل أسف فإنه في الفترات التاريخية للكرة السعودية كان التحكيم السعودي في بعض المباريات الحاسمة يرجح كفة فريق على آخر بسبب أخطاء تحكيمية قاتلة، وليست تلك الأخطاء التي تعتبر جزءاً من اللعبة. لكن هذا لا يمنع من أن تاريخنا الرياضي يشهد لعدد كبير من الحكام ذوي الكفاءة القيادية العالية في قيادة المباريات الرياضية والذين تشهد لهم جميع الجماهير والفرق الرياضية والإعلام الرياضي. إن التحكيم المهزوز وغير المحايد هو من يثير التعصب الرياضي، ويثير الأحداث المؤثرة على ثقافة التنافس الرياضي الشريف. وهناك دراسات علمية تؤكد أن التحكيم الجيد العادل النزيه يبعث الاطمئنان للاعبين ويجعلهم أكثر تحمساً للعب، وتركيزاً في أداء المهارات الممتعة في كرة القدم. كما أن التحكيم السيئ يلقي بظلاله على معظم القيم التربوية المتوخاة من ممارسة كرة القدم، ولا شك أن هناك مجموعة عوامل تؤثر في التحكيم، ولعل أهمها على وجه الخصوص الإعلام الرياضي الرخيص بشقيه، التقليدي والحديث. والله الموفق.