|


د. محمد باجنيد
رحلة الموت!
2010-06-25
كنت أفضل أن أحدثكم عن الحياة، دون أن أعرج إلى الموت، لأن الكثيرين لا يريدون أن يسمعوا للموت (سيرة). لكن أخباره لا تنقطع.. نظل نسمعها قريباً وبعيداً.. داخلياً وخارجياً.. طبيعياً وكوارثياً!.. الموت – يا قوم – أمامنا.. وسيكون في انتظارنا.. يستقبلنا مثلما استقبلتنا الحياة.
قرابة الحادية عشرة والنصف ليلاً تناولت طعام العشاء على غير العادة.. ثم ذهبت للنوم.. كنت بعدها على متن طائرة ركاب.. كانت في طريقها للهبوط.. وما هي إلا لحظات حتى ارتطمت بالمدرج بقوة ثم رأيتها تترنح قبل أن تهوي إلى منحدر.. فيما كنت – في ثبات عجيب – أنتظر ضربة الموت بكل ما فيها من تفاصيل.. لم أسمع ناجياً يصفها لأنها تحتاج إلى أموات يصفونها.. كنت أظن أنني نجوت من الموت!.. بلا سكرات وبجسدي الذي لا أخطئه كنت مع أناس أعرفهم في انتظار من سيأخذني إلى جنة أو نار.. لا فرح ولا حزن.. تسليم بعدل وإقرار بتقصير.. جاءني رجل يميل إلى القصر بشعر طويل ووجه تكسوه الجدية.. جاء يطلبني.. نظرت إليه فلم يقسُ ولم يحنُ.. لمحت بأسفل معطفه الأبيض لطخة دم حمراء.. علمت بأني مطلوب لحساب.. وشعرت بأني مدعو لعذاب!.. لكني لم أجزع.. ذهبت إلى حجرة أخرى.. رأيت هناك أناسا أعرفهم..
(مذنب).. قول واحد كنت أردده في صمت..
وجواب بات يكرر (لا بأس.. ما دمت موحدا)..
يا من فرطت بحق الله..
خذ هذي الأغلال..
وتهيأ كي تشوى في النار..
لم أشعر بالقيد ولا بالنار..
جاء الفجر ليخرجني من أسر كنت أسامره بيقين..
لم أشعر بالقيد ولا بالنار!..
ها قد عدت طليقاً حراً..
لا.. لم أشوَ في النار..
أطلقني ربي..
لم يرض أن يدخلني النار..
أطلقني ربي..
أعطاني الفرصة كي أرجع وأنيب..
كي يفرح بي!
ـ قال الله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليُسم فإنه لا يعلم ما خلفه بعد على فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).