|


صالح الصالح
كرة القدم تتكلم أسباني
2011-04-17
أكتب من العاصمة الأسبانية مدريد الآن، وقائمة من الأشياء المختلفة تحرضني على الدهشة، هنا أمارس إعادة تأثيت ذاكرتي الرياضية بألف باء جديدة عن كرة القدم، وكيف تكون صناعتها بشكل يجلب كأس عالم، ويدفعك لأن تكون الأول في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم، ويجبرك على أن تمارس الخيلاء من غير عمد.
شاهدوا كيف تحولت مواجهات برشلونة ومدريد إلى وجهة جميع محبي كرة القدم في العالم وليس أسبانيا لوحدها، وأعتقد أن مواجهة الأمس مجرد دليل يؤكد على أن كرة القدم العالمية باتت “تتكلم إسباني”.
بالأمس كان كل شيء قبل مواجهة “الكلاسيكو” بلا استثناء يؤكد أن الموقعة تليق بالكبار، بالغريمين التقليدين، بالناديين اللذين حولا صراعهما وحروبهما الأهلية قبل عقود إلى منافسات كروية باتت هي الأهم على مستوى العالم.
يجب أن تكون سيرة هذين الناديين مجرد مراجع تاريخية لمن يريد تعلم كيف تكون صناعة فريق ينعكس بالإيجاب ولو بعد سنوات طويلة على المنتخب الوطني، وأجزم أن تجربة برشلونة ومدريد تؤكد على أن هناك عملا مختلفا أثمر عن كرة قدم مختلفة، وعن منتخب كروي مميز، وعن جماهيرية طاغية تكتسح كافة القارات.
بالأمس كانت هناك مجموعة من السعوديين والخليجيين والعرب في مدريد يمارسون الانقسام حول مؤازرة أحد الكبيرين، بعضهم وجد أن المواجهة تستحق أن يتم العناء لها وحضورها والتمتع بمواجهة باتت الحدث الأهم سنوياً خلال الأعوام الأخيرة لدى كافة الجماهير الرياضية.
في مدرج “سنتياغو برنابيو” كل ما حولك يتنفس كرة قدم، كل الأجواء تشي بأن القادم مذهل، وأن التواجد في أحد مقاعد هذه المواجهات يعد بالنسبة لك حدثاً تاريخياً يستحق أن تسعى له ولو لمرة واحدة في حياتك.
كل ما سبق يندرج تحت أن المشاهدة عن قرب تأسر القلب، ومن الممكن تسميتها بــ”فرمتة” للذاكرة الكروية.
كنت أتصور أن مدريد مدينة لا تسمح لأنصار برشلونة بالتنفس لكن ذلك لم يكن صحيحاً إذ بإمكانك شراء قميص البرشا من أي محل من دون أن تجد من ينظر إليك وقد كظم غيظه، هنا وجدت مفاهيم مختلفة لكيفية الصراع، وكيف استطاع الناديان التغلب على أحقاد عقود طويلة، وتحويلها إلى عمل مستمر لتحقيق المنجزات بشراهة لا تتوقف.
تخيلوا شاهدت بعثة برشلونة تصل مطار مدريد قبل ملاقاة الريال بأقل من 10 ساعات، ولم تحتج إلى إجراء تدريب على ملعب المواجهة قبلها بيوم كما يحدث لدينا، أتوا إلى الملعب وربما أنهم ينافسون لاعبي الريال في معرفة أدق تفاصيل “سنتياغو برنابيو”، إنها الثقة ومعرفة أن أرضية ملعب “كامب نو” لا تختلف في جودتها عن نظيرتها في مدريد أو فالنسيا أو فيا ريال أو أي ملعب آخر.
بالأمس كان معي عدد من المشجعين وبعض منسوبي شركة الاتصالات السعودية الذين واصلوا تميزهم في تحقيق أحلام عدد كبير من الجماهير السعودية لحضور مواجهة تاريخية، وأجمعت تلك الجماهير الحاضرة على أنها مفاجأة كبيرة من شركة كبيرة كان لها السبق في الاستثمار الرياضي، ويبدو أن لديها ما هو مذهل قادماً.
إجمالاً الكرة الإسبانية تستحق أن تكون حالياً الأنموذج لكل من يسعى تلمس الطريق الصحيح وصناعة كرة قدم محترفة، إذ إن المقبل لن يكون إلا منجزاً إسبانياً خالصاً يسر الناظرين.