|


عبدالله الضويحي
مواسم الخير والاتحاد العربي
2009-12-15
اليوم : الجمعة
التاريخ : 24-12-1430هـ
الموافق : 11-12-2009هـ
المناسبة : عودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام إلى وطنه وأهله سليماً معافى ولله الحمد بعد أن منَّ الله عليه بالشفاء وأنعم عليه بموفور الصحة.
وإذا كانت إرادة الله شاءت أن تكون عودة سموه في هذا الوقت.. فإن المتأمل لهذا التاريخ يلمس ترابطا فرضته الصدفة بين توقيت العودة كحدث والظروف المحيطة بالحدث.. وفسيولوجية وطبيعة بطل الحدث.
والصدفة عندما تتدخل وتفرض واقعاً ما.. فكأنما هي في الأصل تعبر عن حقيقة، وهي كذلك بالفعل.
لقد جاءت عودة سلطان بن عبدالعزيز أو (سلطان الخير).. متزامنة مع مواسم الخير، ومناسبات الخير.
جاءت هذه العودة.. يوم جمعة.. و(الجمعة) هو أفضل يوم طلعت فيه الشمس.
جاءت هذه العودة.. ونحن نعيش أجواء احتفائية بأمطار الخير والبركة.
جاءت هذه العودة.. ونحن نودع عاماً ونستقبل آخر من الهجرة النبوية الشريفة.
جاءت هذه العودة ونحن ننتظر إعلان ميزانية الخير للعام المالي الجديد.
جاءت هذه العودة.. في شهر مبارك.. بعد أيام مباركة معدودات.. احتفينا فيها بعيد الأضحى السعيد.
لهذا لم يكن غريبا.. أن تأتي عودة (سلطان الخير) متزامنة مع (مواسم الخير).. لأنه (رجل الخير)..
وإذا كانت الأعياد عادة تعقب مواسم الخير.. وتأتي تتويجاً لها، كما هو عيد الأضحى الذي يعقب يوم النحر.. وعيد الفطر الذي يأتي بعد شهر الصيام .. فنحتفي بها..ونبتهج ..حامدين الله شاكرينه أن من بها علينا.. فكيف إذا كان (العيد) هو (الخير).
والعيد في الأصل هو الاجتماع لهذا جاء (عيدنا) الثالث إجماعا على حب (سلطان الخير).. واحتفاء بـ(رجل الخير).. وحمداً وثناء على (مجزل الخير).. بعد أن من عليه بالشفاء.. وأمده بالعافية.. وزرع فيه (حب الخير).

(أشرقت الرياض) بـ(نور سلمان)
تدافع الحشود.. والحضور اليومي لمجلس (سلمان بن عبدالعزيز) في قصر الإمارة بالرياض. منظر طبيعي.. مألوف لأهل الرياض.. وساكنيها.. ومعتاد.. حتى لمن هم خارجها من مواطني هذا البلد الباحثين لدى (سلمان) عن حاجة خاصة.. أو البحث عن هم عام.
ولهذا..
لم يكن غريباً هذا التدافع بعد عودة غائب.. أدمنت حبه.. واعتادت رؤيته بشكل يومي..
ولم يكن غريباً.. أن تصدى لها (سلمان) يبادلها المشاعر بكل شموخ الذات.. وكبرياء الشوق.. وتواضع الإنسان.
هؤلاء.. لم يأتوا بهذه العفوية.. للسلام على أخيهم.. أو والدهم (سلمان) وتهنئته بسلامة الوصول.. إنما جاءوا في الحقيقة مجددين عهدهم بأمهم الحنون (الرياض).. وابنها البار (سلمان).. وولاءهم للوطن.. ممثلا في عاصمتهم وللقيادة ممثلة في (سلمان).
لأنهم.. يرون فيه الرياض ويرون الرياض من خلاله.
فهم عندما يعانقون (سلمان) فإنما هم يحتضنون (الرياض).
وعندما يقبلون (سلمان) فهم (يلثمون) تربه (الرياض).
يشتمون من خلاله عبق الرياض ورائحتها.
وصبا نجد.. وشميم عراره..
يتفيؤون ظلاله.. وينعمون بدفء شمسه.
ويبادلهم (سلمان بن عبدالعزيز).. الشعور ذاته فيرى فيهم بر الأبناء.. ووقار الكبار.. وولاء المواطن لدولته.. ممثلا في أبناء عاصمته.
(الرياضيون)..
هم جزء من هذه المنظومة..
فهم يرون فيه الراعي لمناسباتهم وأفراحهم.. والداعم لهم.. حيث أصبح (استقبال) سموه للمتفوقين منهم والأندية الفائزة بالبطولات.. نهجا سار عليه الآخرون وعادة اكتسبت صفة الديمومة.. والبرمجة الموسمية.
وبالتالي.. فهم جزء من هذا العشق..
ومشاعرهم.. تنضوي تحت لواء تلك المشاعر..
إنه.. سلمان (الرياض)..
وإنها (الرياض).. سلمان..
والتي ظلت عاماً ونيف.. تبعث له رسائل شوق تتساءل..
(أغداً ألقاك..؟!)
وبلهفة المشتاق.. تقول:
(يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد).. وتستمر في تساؤلها..
(أغدا.. تشرق أضواؤك في ليل عيوني..)
ولأنها.. تؤمن إيماناً قوياً بخالقها..
فقد كانت تدرك أن (هذا الليل الطويل لابد أن ينجلي).. وأنه قد (آن لأوانه من آخر) ولابد من (سلمان).. و(إن طال السفر).
فأشرقت في ليلة غاب فيها البدر..
وتوارت أنوارها خلف الغيوم..
هل رأيتم مدينة.. تشرق ليلا..
إنها (الرياض) التي أشرقت بـ(نور سلمان)..
(سلمان) و(الرياض).. ملحمة عشق.. امتدت أكثر من نصف قرن.. لتكتب أعظم رواية حب في التاريخ صاغها أعظم (عاشقين).. عاشا ولا زالا يعيشان أطول فترة حب يصنعها إنسان على مر الزمن سارت بها القوافل.. وتلقفها الركبان.
إنها..
(الرياض) التي تتراءى في عيني (سلمان) وإنه..
(سلمان). الذي يتراءى في كل شبر من (الرياض).
والله من وراء القصد

مصر.. الجزائر.. والمؤتمر

أمس الاثنين.. بدأت في (الرياض) اجتماعات مؤتمر تطوير الاتحاد العربي لكرة القدم.. حيث سبق جلسة الافتتاح اجتماع اللجنة التحضيرية.. وواصل المؤتمر أعماله باجتماع المكتب التنفيذي ومناقشة محاور الاجتماع التي تم إعدادها.. حيث تواصلت الاجتماعات على مدى يومين.
وغداً.. تجتمع الجمعية العمومية غير العادية للاتحاد لدراستها.. وإقرار ما هو مناسب منها.
كمواطن عربي.. لا يهمني معرفة محاور المؤتمر.. وماهيتها بقدر ما يهمني أن أرى نتائج على أرض الواقع.. تترجم تطلعاتي بما يساهم في نهضة الكرة العربية والارتقاء بمستواها عبر برامج تطويرية شاملة – بكل ما يحمل هذا المصطلح من معنى- فالتطوير لا يشمل فقط النواحي الفنية.. ومستوى المباريات بقدر ما يشمل أيضا البرامج.. وغيرها من سبل التطوير.. وانتظار هذه البرامج.
لقد مرت الكرة العربية خلال هذا العام بأزمتين..
الأولى :
ما حصل في انتخابات الاتحاد العربي لكرة القدم التي جرت في الرياض قبل بضعة أشهر.. من أمور كادت أن تؤدي إلى بعض الانقسامات لولا توفيق الله.. ثم حنكة المسؤولين والممثلين العرب.. الذين غلبوا المصلحة العامة وتقرر تأجيل الانتخابات لمدة عام.. (أبريل القادم).
حيث يجري خلال هذا العام دراسة لوائح الاتحاد وتطويرها وهو ما تم عقد هذا المؤتمر بشأنه.
الثانية :
ما حصل بين الشقيقتين مصر والجزائر إثر التصفيات النهائية المؤهلة لمونديال 2010 عن قارة أفريقيا والتي تأهلت فيها الثانية على حساب الأولى بعد مباراة فاصلة.
فيما يتعلق بالأزمة الأولى إن -جازت التسمية – فإننا نؤمن باختلاف وجهات النظر.. ولا نريد قرارات تتخذ بالإجماع.. فالإجماع الدائم ليس ظاهرة صحية كما هو الاختلاف لكننا ننشد اختلافات في الرؤى وليس اختلافا على المبادئ والأهداف.
ولولا هذه الاختلافات وما حصل في الاجتماع السابق لما حصلت هذه التحركات والمناقشات والعمل على تطوير العمل في الاتحاد وآليته.. وتأجيل الانتخابات لإعطاء لجان العمل الفرصة لوضع هذه الآلية وإقرارها والعمل بموجبها وإننا على ثقة بأنه سيكون تغييرا نحو الأفضل.. بما يساهم بالرقي في مستوى الكرة العربية سواء في الناحية الفنية أو تطوير الكوادر والعمل الإداري.. وهو جزء لا يتجزأ بل هو الأساس في تطوير العمل ككل.. إذ بدون وجود كوادر إدارية وفنية ناجحة.. قادرة على رسم السياسات وإعداد البرامج وتنفيذها لا يمكن أن يرتقي المستوى الفني.. وتتحقق الطموحات.
ـ أما الثانية.. وهي ما يتعلق بمصر والجزائر.. ونحن الآن لسنا في مجال تصفية الحسابات أو تحديد حجم المسؤولية فيما حصل.. وعلى من..!
فالجميع يدرك ذلك.. والجميع يدرك أن الأمر.. تجاوز إطاره الطبيعي وحدود خلافاته.. من خلال أطراف لا علاقة لها بالرياضة.. والمنافسة الكروية. ساهمت في تأجيج الشارع العام وقيادته إلى منطقة اللا عودة لأهداف ربما كانت غير رياضية.. وغير تنافسية..!! أدت إلى رفض كل من الطرفين كل وسائل تقريب وجهات النظر.. وتفضيل السير في خطين متوازيين.. ولعل آخرها رفض أحدهما مبادرة إماراتية بلقاء ودي في كرة القدم.
الرفض لم يكن بحجة أن التوقيت غير مناسب ليكون مقبولا.. ولكنه رفض للقاء في حد ذاته وهو رد على رفض الآخر.. على أية لقاءات مشابهة أو رياضية ...الخ.
مصر والجزائر.. قطبان عربيان.. لكل منه ثقله ومكانته في الرياضة العربية.. خاصة في كرة القدم سواء على الصعيد الفني.. أو التواجد العناصري وكفاءة القدرات في الاتحاد العربي.. ولذلك فليس من مصلحة الكرة العربية هذا التنافر.. وتوسيع دائرة الخلاف.
أعرف أن اجتماعات الاتحاد العربي لكرة القدم هذين اليومين.. مخصصة لتطويره.. ودراسة مشروع التطوير وإقراره.. وهو اجتماع مبرمج منذ عدة أشهر.
واللجنة المشكلة لدراسة لوائح الاتحاد وبرامجه ووضع آلية التطوير.. اجتمعت في تونس قبل بضعة أشهر.. وأنهت ذلك.
أي أن هذا كله حدث قبل مباراة مصر والجزائر.
لكنني كعربي أتحسر على ما آل إليه الوضع.. أتمنى أن يجد هذا الموضوع مكانا له في قلوب.. وعقول الممثلين العرب في اجتماعات الجمعية العمومية.. إن لم يكن كبند أساس.. ضمن ما يستجد من أعمال وإن كنت استبعد ذلك لظروف لا تخفى على ممثلي الاتحادات.. فعلى الأقل (خلف الكواليس).. في لقاءات غير معلنة.. تهدف إلى تقريب وجهات النظر ووضع آلية واضحة لحل الخلاف.. وأسس تنطلق من خلالها هذه الآلية واختيار لجنة وفق مواصفات معينة مهمتها السعي لهذا الغرض.. سواء بزيارات مكوكية للبلدين أو جمع الأطراف على مائدة واحدة نحو كلمة سواء.
بل.. و أن تمتد أعمال اللجنة إلى وضع أساسات تضمن عدم تكرار ذلك بين الأشقاء ليس (مصر والجزائر) فحسب.. بل وبين أي بلدين شقيقين في أي مجال رياضي.
لعل من محاسن الصدف – في نظري- أن جاءت مباراة مصر والجزائر الفاصلة.. متزامنة مع مباراة فرنسا وإيرلندا في التصفيات ذاتها.. كل عن قارته.
مصر والجزائر.. جاءت طبيعية داخل الملعب ويؤمن الجميع أن الجزائر فازت عن جدارة واستحقاق وتأهلت لكأس العالم.
فرنسا وأيرلندا.. تأهلت فرنسا بقرار ظالم (أعني) هدفا ظالما.. مبنيا على باطل عندما تعمد هنري تجهيز الكرة بيده..
ورغم هذا الظلم.. وعدم جدارته.. إلا أن ذلك لم يمنع الايرلنديين من التعامل مع الحدث بأسلوب حضاري.. وعبر الأبواب الرسمية وإن كانوا يؤمنون بأنها لن تكون مفتوحة لهم.
التاريخ سيحفظ للإيرلنديين ذلك ويسجل لهم هذا الظلم.. وستطوى صفحته.
والتاريخ نفسه سيحفظ لمصر والجزائر ما حدث وأنه مبني على تاريخ سابق وأخشى أن يبنى عليه تاريخ لاحق.. أما النتيجة فهي الأخرى صفحة وتطوى.
جاء الحدثان بالتزامن.. لنكتشف أنفسنا كعرب.. وما هو موقعنا من المنافسة الكروية.. وكيف نتعامل مع الأحداث..؟ وهو تعامل لا يرتقي للأسف مع سماتنا العربية وتكويننا العربي.. وجذورنا العربية والإسلامية.. ولا أريد أن أصل إلى مقولة الشيخ محمد عبده عندما زار باريس في النصف الأول من القرن الماضي.. لكنني أؤكد – وللأسف – أننا لا زلنا بحاجة إلى تنمية ثقافة الفوز والخسارة فيما بيننا وزرع هذه الثقافة في نفوس النشء.. لا أعني الرياضي فقط.. ولكن المجتمع بصورة عامة..!
والله من وراء القصد.