|


عبدالله الضويحي
(لو أن.. وما تجدي لو أن.!!)
2009-09-15
من أصعب الأمور أن يمر حدث مثل خروج منتخب المملكة من مرحلة التأهل إلى الملحق الآسيوي لمونديال 2010 على طريقة (بيدي لا بيد عمرو) بعد تعادلنا مع البحرين (صفر/ صفر على أرضه، 2ـ2 على أرضنا) وبطريقة دراماتيكية.. وبعد أن خرج من مرحلة التأهل ذاتها وهو قاب قوسين أو أدنى من تجاوزها. دون تناوله.. أو التوقف عنده ممن له شأن أو علاقة بطريقة أو بأخرى.. خاصة وقد مرت بضعة أيام على هذا الحدث..
شخصياً.. وجدت نفسي أمام موقفين كل منهما أصعب من الآخر!
ـ الأول: أن أتجاوز الموضوع إلى غيره، وهذه صعبة لأنه هو الحدث.. ولأن موقفا كهذا.. قد يطرح العديد من علامات الاستفهام التي نحن في غنى عنها لدى المتلقي!! حتى وأن رأيت تناوله فيما بعد.. لقناعات شخصية.. أو فلسفة معينة.!
ـ الثاني: وهو الأصعب.. هو تناول الحدث.. ولكني كيف؟
هل أركب الموجة ذاتها.. وأكرر ما قاله كثيرون عن أسباب الخروج.. أخطاء الدفاع.. عدم التغطية.. اندفاع المهاجمين.. ثقافة اللاعب.. تخبطات المدرب.. الخ.
وهي أمور تناولها الجميع وتكررت.. وكانت معروفة وواضحة لأبسط المتابعين.. وتأتي في سياق التحليل الفني للمباراة.. لكنها لا يمكن أن تؤخذ كأساسيات في إصلاح الوضع بصورة عامة.. وإنما تأتي كنتاج طبيعي لهذا الإصلاح!!
الأيام الماضية والتي تلت خروجنا من تصفيات المونديال كانت مجالا رحبا وواسعاً لـ(بندول الطرح الإعلامي).. يتحرك خلاله من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. بين صوت العقل.. وردود فعل العاطفة وإن كانت كفة العاطفة ترجح كثيراً.. ويميل البندول في اتجاهها أكثر.!!
وهذا أمر طبيعي..
ولهذا من الصعب أن يجد صوت العقل له طريقاً نحو المسؤول..!
ومن الصعب على هذا المسؤول أو غيره.. التوقف عند هذه الأصوات.. وتمييزها.. لأنه اعتاد على هذه النوعية.. وردود الأفعال في كثير من الأحداث المشابهة!!
ـ في ظل هذا التذبذب.. دار في ذهني سؤال:
مباراتنا أمام كوريا الشمالية في الرياض وهي آخر مباراة في التصفيات وانتهت بالتعادل.. وكنا مؤهلين للفوز لولا بعض الأخطاء.. وكان ذلك الفوز ينقلنا مباشرة إلى جنوب إفريقيا.. السؤال:
ماذا.. لو أننا كسبنا هذه المباراة؟
هل سيتحرك (البندول).. على راحته؟
أم أننا سنمسك على المؤشر بأيدينا.. ونضعه في الاتجاه الذي نريد.؟
هل سنتحدث عن ثقافة اللاعب..؟
وأهمية القيادة داخل الملعب ؟
وأخطاء المدرب..؟
ـ هل سنتحدث عن: أهمية الاهتمام بالنشء؟
والأكاديميات..؟
وإصلاح البناء من الداخل..؟
ـ هل سنتحدث عن:
الأندية..!
والاحتراف..؟!
وأهمية احتراف اللاعب السعودي خارجياً..؟!
ـ لو أننا تأهلنا لكأس العالم.. هل سنتحدث عن تراجع الكرة السعودية؟!
والأخطاء التي تحدث..؟!
وهل سنتحدث عن الاتحاد السعودي لكرة القدم وتحديداً عن لجانه..!! وأهمية هذه اللجان.. وإعادة تشكيلها..أو بعضا منها.؟!
وهل سنتحدث عن غياب الكوادر المؤهلة.. في هذه اللجان..؟!
ـ لو أننا تأهلنا..
هل سنتحدث عن أهمية الاستقرار الإداري.. والفني.. وإعطاء المدرب الفرصة.. و..و..
ـ هل سنتحدث عن...؟!
وعن..؟!
وعن..؟!
ـ هل سنتحدث عن هذا كله..؟! أو بعضا منه.؟!
أم.. أننا سنعزف على لحن التأهل الخامس للمونديال ونرقص طربا على أنغامه..؟!
وأننا أسياد آسيا..!!
وأن هذا نتاج التخطيط السليم.. ونجاح تجربة الاحتراف..!! ونثني على جهود المسؤولين..!!
ـ لو أن
وما تجدي لو أن..
على طريقة نزار قباني.
( لو أن..
وما تجدي لو أن..
ونحن نسافر في المأساة..!
ونمد إلى الأرض المحتلة حبلاً شعري الكلمات.. ونمد إلى يافا.. منديلاً طرز بالدمع وبالدعوات..!!
يا بلدي الطيب.. يا بلدي..
قتلتك سكاكين الكلمات..!!)
تذكرت هذه الجزئية.. التي ختم بها نزار إحدى قصائده.. وأنا (أسافر) مع ما يطرح هذه الأيام.!!
ـ للأسف..
هذا حالنا.. أو لنقل حال بعضنا.. وهي حقيقة عايشتها على مدى طويل من عمر إعلامنا الرياضي وكرتنا السعودية.!!
عندما نخسر في بطولة إقليمية.. أو قارية.. أو حتى في كأس العالم.. نستل أقلامنا في أغمادها.. نتحول كلنا إلى منظرين.. وصناع رأي.. وأرباب فكر..
الإعلامي.. والمسؤول.. ورئيس النادي.. وعضو الشرف.. والمحللون الرياضيون..و..و.. و...الخ.
نحيل (الشعر).. إلى (وعظ)!! و(مناديل الحرير).. إلى (قطع من الحشيش)!!
نخرج من (دائرة العقل).. إلى (فضاء العاطفة)! حتى (تصفية الحسابات الشخصية).. ـ وللأسف الشديد ـ تجد المجال مفتوحاً.. لتمارس دورها.. وتبرز على السطح.. وربما كانت أكثر قبولاً.. وأثراً مما لو تمت في توقيت آخر..!!
نمارس هذه (التصفية).. على اللاعب.. والإداري..
وعلى المسؤول..
نغض البصر عن نجاحاته الآنية ونجوميته ـ كلاعب ـ ودوره.. لنمارس هذا النوع من الإسقاطات.. لأن الفرصة متاحة لقبولها في ظل (الغمامة) السائدة.. والأجواء الملبدة بغيوم الخسارة..!!
نجتر أخطاء الماضي..
نحيلها إلى نوع من التراكمات..!! للبحث عما نريد..!!
ندور في حلقة مفرغة.. تتكرر مع كل خسارة أو خروج مر!!
نستعجل بعض القرارات.!! على طريقة (علمت مصادرنا الخاصة).. حتى إذا ما حدثت وإن لم يكن لها علاقة.. تحدثنا بلغة المباهاة (كنا قد أشرنا.. أو انفردنا)!!
وعلى المستوى الرسمي.. ننهي عقود المدربين.. ويتم تسريح اللجان وإعفائها..!!
بلغة أخرى..
نمارس نوعاً من التخدير الإعلامي.. وهو تخدير موضعي.. لا يعالج الألم!!
وهكذا..
ندور في الفلك.. كـ(المسبحة في يد الإمام)!!
ننسى كل النجاحات.!!
ننسى.. أو نتناسى أن عدم الوصول إلى المونديال وإن كان التأهل حلماً ومطلباً.. إلا أن عدم التأهل لا يعني نهاية المطاف.!!

قد نتأهل للمونديال.. ونضع قدمنا فيه لكننا نضعها على جرف هار.. كما حصل في 2002!!
وقد لا نتأهل.. لكننا نقدم جيلا ذهبياً.. وعطاء ناجحاً.. للكرة السعودية.. كما هو جيل الثمانينيات!
دول أخرى أكثر عراقة.. وتاريخا.. تمر عليها السنون والدورات دون أن تتأهل..!!
أو تتأهل عبر الملحق.!!
ولا ضير في ذلك.!!
نرفض مثل هذه المقارنات.. لأننا ندرك النظرية النسبية..!!
وأن المنطق في هذه المقارنات وارد في ظل هذه النظرية.!!
الأجمل في الأيام الماضية.. والذي يستحق الثناء والإشادة.. بل والتوقف عنده.. هو موقف المسؤول.. وهذه حقيقة.. بعيداً عن المجاملة والنظرات الأخرى..
وهو الموقف الذي نتمنى أن يرتقي إليه موقف الآخرين من المجتمع الرياضي على مختلف اتجاهاتهم ومواقعهم.
كان المسؤول أكثر حكمة في تعامله مع الحدث.
وكان أكثر عقلانية في نظرته للأمور.
والأكثر هدوءاً في ردة الفعل.
وعندما يخرج رئيس أعلى سلطة رياضية وهو الأمير سلطان بن فهد.. ليعلن اعتذاره للجماهير الرياضية عن عدم التأهل للمونديال.. فهذا يعني قمة الشعور بالمسؤولية.. واحترام هذه الجماهير..
وعندما يفعل نائبه الأمير نواف بن فيصل الشيء ذاته.. وأن التصحيح قادم لكنه يجب ألا يكون مبنياً على العواطف والانفعالات فهذا يعني قمة النضج في التعامل مع الحدث.
كان بإمكان المسؤول أن يتخذ في تلك الليلة قراراً بإعفاء المدرب من منصبه.. وحل لجنة المنتخبات وتسريح إدارة المنتخب.. ولاعبيه.. إلخ.
كان بإمكانه أن يفعل ذلك.. ويقضي إجازة عيد الفطر متمتعاً.. بإشادة أولئك .. وتصفيقهم وهدوء الجماهير.. بعيداً عن صخبهم.!! لأن هذا مطلب كثيرين.. ولأن هذا أقصر الطرق إلى قلوبهم.!!
وسيغيب الحديث عن الإصلاح.. في غياهب الإشادة والثناء بالقرار.!!
لكنه ـ أي المسؤول ـ جعل من إجازة العيد إجازة عمل وتفكير..
وأن تكون القرارات.. أو خطوات الإصلاح مبنية على أسس سليمة.. مصدرها العقل والتروي.. بعيداً عن العواطف والانفعالات..
وما يصدر عن العقل.. أمضى أثراً.. وأقوى تأثيراً..
وما يصدر عن العاطفة.. محدود التأثير.. وإن كان الأقوى أثراً.
وفرق بين الحالين..
هذا.. لا يعني أنه لن تكون هناك قرارات تصحيحية.. ربما تاريخية.. أو مصيرية.. أو إصلاح لأوضاع معينة..
فالتصحيح قادم.. كما صرح الأمير نواف.. لكنه التصحيح المطلوب.
والإصلاح الذي نبحث عنه.
قد ينهي عقد المدرب
وقد نجدد الثقة فيه.
وقد يتم حل إدارة المنتخب.
وقد يتم تعديلها.. أو تجديد الثقة فيها
وكذا بقية اللجان.
لكن المؤكد.. وهو ما نطالب به ونبحث عنه.. أن أي قرار سيصدر فيما بعد.. سيكون أكثر قبولاً لأنه يأتي بعد هدوء العاصفة و(عودة الوعي) إن جاز التعبير.
والله من وراء القصد