|


فهد عافت
كقارئ.. ككاتب!
2022-01-12
- لستُ باحثًا ولا مؤرِّخًا، ولا ناقدًا. أنا فقط قارئ كُتُب ورقيّة!. لذلك؛ كلّما التقيتُ برواية، أجدني في غنى عن مديحها بسبب تقدّميّتها!، أو تقدّمها خطوة أو أكثر وتجديدها في الشكل والمضمون، رغم يقيني أن كل شكل مضمون!. على حبكتها أن تستفزّني وليس عليّ التفكير في حبكتها، وآخر همّي موقع الرّاوي.. بأي ضمير يتحدث، بالغائب أو الحاضر، بالأنا أو بأصوات متفرّقة..، المهم أن أجدني غارقًا فيها، فليس للقارئ من نجاة أطيب من أن يغرق في كتاب!.
- لا أحكم بغير إحساسي الناتج من تفاعلي معها. متى وجدتُ أنّها تضيء فيّ مشاعر دفينة، وتحفر عميقًا في ذاتي، وتغيّر شيئًا ما في رؤيتي للناس والحياة، ومتى ما قضيتُ معها وقتًا ممتعًا، فهي رواية جميلة، ورائعة، وأنا حَسَن الحظ بوقوعي عليها طالما صَعَدَت بي!. وإلا فإنها تستحق الإهمال، جزاءَ إهمالها لما أحتاج!. دعك ممّا أريد، فهذا لا يهمّ!. بل قد يكون عنصرًا من منغّصات العمل بالنسبة لي!.
- حين أشعر أنّ الرواية، أو الكاتب، قدّم لي ما أريد سلفًا، وبالذّات حين لا يكون هناك غير ما أريد، أحكم داخليًّا على الرواية وكاتبها، وعلى أي عمل فنّي، بالعبوديّة والخضوع!.
- والإنسان قد يعرف ما يريد لكنه لا يعرف ما يحتاج إلا حين وقوعه عليه!. وكذلك الأمر بالنسبة لي في كل أدبٍ أتتبّعه، وفي كلّ فنٍّ أتلقّاه!.
- من قال إنّ الفنّ وُجِدَ لكي أفهم؟! وبالتالي أحكم؟! الفنّ بالنسبة لي وُجِدَ لكي أشعر وأحسّ،.. لكي أختبر وأُجرِّب أقصى قدْر ممكن من المشاعر في أعمق.. أعمق.. نقطة يُمكن الوصول إليها!. وُجِدَ لأعيش أكثر من حياة، وأدخل حالات وجدانيّة وتأمليّة لا تكفيها حياة واحدة دون أدب وفنّ!.
- حين أتحوّل من قارئ إلى كاتب، تنقص المتعة قليلًا، وتُنَغّص كثيرًا!. ويقلّ التواضع!. وبجهد كبير وجدوى ضئيلة أحاول التّخلّص من سفسطة وحشو، أشعر بوجودهما، ولا أدرى من أيّ عِلّة من عِلَلَي يدخلان!. ربما من كوني أدري بأنني لستُ مؤهلًا أكاديميًّا لأن أكون ناقدًا أو باحثًا محقّقًا!. احتماليّة المُجامَلة تظلّ حاضرة، ومجرّد إمكانيّة حضورها مسألة ضاغطة بدمها الثقيل!.
ويا للأسى.. لا يمكن للدّراية ولا الاعتراف أن يكفيان للخروج من مثل هذه الكُرَب!.
- نعم، هناك ناقد في داخلي كقارئ، لكنه أطيب بكثير، وأعذب، من الناقد الكاتب الذي يسكنني بحكم الكتابة نفسها!. أقول هذا لأقول إنّ امتلاك أدوات فاحصة، وأنّ خصوبة المِرَان وخبرة الدِّرْبَة، أشياء مفيدة جماليًّا، ومانحة لنشوة أعمق وأصفى، لكن…!.
- في القراءة لا أحتاج لأفكار مكتملة، ولا حتى لتدابير تامّة، لا حاجة للتّماسك!، ذلك أنّ ما يغيب يتمّ تعويضه عبر الغريزة والحِسّ!. الأمر نفسه يبدو فوضويًّا ومهلهلًا في الكتابة، إذ لا بدّ من أفكار وتدابير مُسبَقَة،.. كلمات مُتماسكة ومصطلحات جاهزة!.
- كقارئ، وحين يهيم بي شغفًا سطر أو مقطع، يمكنني الاكتفاء برفع رأسي لأخذ شهقة ضاحكة طويلة وضرب الطاولة بيدي والقول: “يا أخي…” دون تكملة ما بعد “يا أخي…” بأي شيء، لا إضافة ولا تفسير!.
ككاتب، أصير مُجبرًا على إيجاد تبرير ما لهذا الانتشاء العجيب!.
- في القراءة، أشعر أنني حرّ تمامًا، منطلق بكامل عفويّتي، لا أحد غيري مسؤول عن فهمي ودرايتي وعجزي وجهلي وجدّيّتي واستخفافي.. سواي!. لا يراني غيري!. تخيّلوا فقط هذا البهاء المُطلَق: مع العمل الفنّي الجيّد، أرى الجميع بما فيهم أنا، ولا يراني غيري!.
كل هذا السّخاء الممنوح لي يجعلني سخيًّا مع الأعمال الأدبية والفنيّة: لا أطلب منها إلا المستحيل تقريبًا!. أنْ تكون مثلي حرّة.. طليقة.. وعفويّة إلى أقصى مدى!.
- في الكتابة، ألوم وأنتقد الكتّاب والفنانين، وأعيب على أعمالهم، بما أنا (وفي أفضل حالاتي) متورّط فيه ككاتب!.
- القراءة: قطْف سحاب. الكتابة: كشْف حساب!.