|


أحمد الحامد⁩
خيال المدينة
2024-03-24
هناك حكايات شعبية مشتركة في دول عربية، سمعتها في دولة على أنها حصلت في نفس الدولة، ثم سمعتها في دول ثانية على أنها حصلت عندهم، جميعها تقال على أنها حقيقية، وهي ليست كذلك، الناس تحب التأليف، خصوصًا تلك التي تستدر عاطفة المستمعين، وحتى الحكاية الحقيقية عندما تتنقل من لسان لآخر، ومن مدينة إلى أخرى، تتبدل، كل يضيف «حتته» على قول إخواننا المصريين.
لاحظت أن الكثير من الحكايات المتشابهة تدور عن مجانين. لا أدري لماذا المجانين، ربما لأن مطلق الحكاية ضامن أن المجنون لن يستطيع نفي الحكاية، لأنه مجنون. حكاية سمعتها في بلدان عربية عن طبيب صار مجنونًا وينام في الشوارع لأنه أخطأ أثناء إجراء العملية لوالدته فماتت، حتى أنني شاهدت في السوشال ميديا فيديو يظهر فيه رجل مجنون، قال مصور الفيديو إنه طبيب جن بسبب وفاة والدته على يديه.
ومجنون آخر سبب جنونه أن حبيبته اختارت الزواج بالرجل الغني بدلًا منه، وآخر فقد عقله لأن خطيبته التي يحبها ماتت. الغريب أن جميع هذه الحكايات مستمرة دون انقطاع، تتبدل الأجيال ويتبدل المجانين، والحكايات وحدها التي تبقى.
عند تقاطع الإشارات مر رجل مجنون يريد مسح زجاج السيارة، كان مجنونًا فعلًا وليس شحاذًا متنكرًا، أخرج السائق ورقة نقدية وأعطاها له، ثم نظر السائق نحوي وقال: عارف مين ده وليه اتجنن ؟ كنت متأكدًا بمجرد سؤال السائق بأنني على موعد مع حكاية شعبية، تمنيت أن تكون جديدة، لكن السائق قال: ده دكتور جراح.. عمل عملية لمراته وماتت في العملية واتجنن. سألته : تعرفه ؟ قال : لا معرفوش.. بس كلهم بيقولوا حكايته. قلت في نفسي هناك تغيير صغير في الحكاية، هذه المرة زوجته وليست والدته.
في دمشق أواخر التسعينيات الميلادية كان رجلًا في الأربعينات من عمره ينام على جسر المشاة، قطعت وصديقي الجسر وكان الرجل ممدًا يغط في نومه، قال صديقي : بتعرف مين هاد وشو قصتوا ؟ أجبته : لا . قال : هاد كان مهندس شاطر، كان بيحب وحدة وهي بتحبوا.. خطبها وأهلها رفضوا، رجع خطبها وأهلها رفضوا، وظل يخطب وظلوا يرفضوا، ليوم مرضت حبيبته وماتت، ومن يومها انجن يا حرام ! سألته : تعرفه ؟ أجاب : لا ما بعرفوا بس قصتوا معروفة. كان هناك تغيير بسيط في الحكاية، فما سمعته في دولة عربية أخرى أنها ماتت قبل حفل الزواج بأيام.
حكاية أخرى سمعتها طفلًا في الكويت، قيل بأنها حدثت في السوق القريب، ثم سمعتها في قطر، من قالها أشار بيده نحو أحد أسواق الدوحة. في الشرقية كنت أجلس مع صديقي الذي كان يقص نفس الحكاية، قاطعته وقلت: التي حدثت في السوق؟ أجاب : شدراك ؟ أجبته : لقد حدثت في ثلاثة بلدان لغاية الآن.
حكمة آشورية: لا تحسب نفسك حكيمًا عاقلًا إذا لم يحسبك الناس حكيمًا عاقلًا.