اشتهر بشاعر طلال مداح.. عاش ومات بهدوء

عندما قدم خالد زارع ابن ينبع إلى جدة بحثاً عن تأمين لقمة العيش بواسطة عمل يرتبط به ليرسم مستقبله ويشق طريقه في بداية حياته العملية، أبهرته مدينة جدة بشوارعها ورواشينها وإناراتها، وانغمس في قالب الحياة الاجتماعية فيها سريعاً، وبدا لأول مرة مرتاحاً لها خاصة بعد أن وفق في الحصول على وظيفة في بريد جدة، ومن محاسن الصدف أن يجمعه البريد بعدد من زملائه في العمل الفني منهم طلال مداح، فوزي محسون، لطفي زيني، محمد عبده، كان ذلك عام 1961 م ولم يستمر طويلا، ليتفرغ للأعمال الخاصة، وأصبح واحداً من أبرز تجار المواد الغذائية منذ بداية السبعينات الميلادية، وينفرد خالد عن بقية إخوته بمزايا جعلته مختلفاً، فقد كان يتسم باللطف والأدب والفكاهة والإنسانية وحب الناس، وذاع صيته عندما غنى له طلال مداح وهو لا يعرفه أغنية وطنية بمناسبة عودة جلالة الملك سعود من رحلة علاجية بالخارج لحنها عمر كدرس، وأقيم حفل بهذه المناسبة بجوار ميدان البيعة وهو المكان الذي يوجد فيه الآن مقر فرع وزارة الخارجية في جدة، ولم يكن طلال مداح مدرجاً ضمن من سيحيون الحفل، وقد لاحظ الأمير عبد الله بن سعود ذلك فأمر بإحضار طلال ومشاركته في تلك الأمسية الفنية، وليلتها غنى طلال من كلمات خالد زارع لأول مرة
يا صاحب الجلالة
يا محقق العدالة.
بعدها ارتبط خالد وطلال بعلاقة فنية قدم فيها الاثنان سلسلة من الأغاني الرائعة وهي على النحو التالي:
ـ استاهل 1962
ـ دب المــــدينة 1963
ـ مجروح وإن 1964
ـ ما تسلم الجـــــرة 1965 .
ولهــذه الأغنية قصة طريفة وهي أن طلال مداح قام برسم موضوع أغنية فحواه المثل الشعبي ماتسلم الجرة في كل مرة، ونظراً لكون زارع أحد شعراء طلال فقام بالبحث عنه حتى وجده مرتبطاً في إحدى المناسبات الاجتماعية عند أحد الأصدقاء وطلب طلال من صاحب المنزل أن يحضر خالد للباب الخارجي لأنه لا يرغب في الدخول رغم الطلب المقدم له، وحين حضر خالد طلب منه طلال أن يكتب أغنية موضوعها ينطلق من المثل الشعبي السابق الذكر وألا ينام حتى يكتبها ويسمعها له لأنه سيكون منتظراً له، وقام خالد وهو معزوم بالانهماك في ترجمة الفكرة كما يلي:
تجافيني واجيك اشكي
تلاقيني عليك ابكي
قد الليل المر في حياتي
قد الأمل اللي أنا أرعاه
وتقول ما تسلم الجرة
قام بعدها بالاتصــال بطـــــلال وأســـمعه النص ليقوم بتلحينه في نفس الوقت لتصبح جاهزة تماماً للتسجيل بعـــد أن أســـمعها لــــخالد، وسافر الاثنان إلى بيروت لتسجيل الأغنية التي لقيت رواجاً ونجاحاً منقطع النظير.
ـ يا سر مكتوم 1966
ـ سهرانين 1966
ـ تسافر تغيب67 19
إلى جانب عدد من الأغاني الوطنية وأغاني المناسبات الخاصة.
فيما غنت له هيام يونس أغنية ( يالوز ياخضر)
وكان يتمتع ـ رحمه الله ـ بخفة ظل غير عادية وروح مرحة للغاية، وعندما تعرفت عليه كان رجل أعمال يسافر باستمرار بين الرياض وجدة وجنيف، ولم تنقطع علاقتنا منذ أكثر من 20 عاماً، وأذكر أنه كان يحب ليمون أبو زهيرة ويحمله معه باستمرار في ثوبه، وكان لنا صديق يملك حديقة جميلة مزروع فيها ليمون فقام خالد في إحدى الليالي وقطف الليمون بأكمله.
ساهم في العمل الإعلامي بفعالية كبيرة عندما قدم العديد من البرامج التوجيهية والتوعوية والتثقيفية، إلى جانب قيامه بتأليف وتمثيل الدراما الإذاعية التي تقدم كسباعيات.
وارتبط بالإذاعة كمقدم نشرات أخبار وممثل وكاتب حتى أقعده المرض في السنوات العشر الأخيرة، وتعاون مع محمد عبده وعبد الله رشاد وعبد المجيد عبد الله في العديد من الأغاني الخاصة، وتربطه صداقة بمحمد عبده لكنهما لم يجتمعا فنياً في أغنية رسمية.
قدم آخر أعماله مسلسل (رضية وحسن النية) للكاتب يحيى باجنيد.
اشتهر بعبارة هنا النادي الأهلي، فقد كان عريف حفلات النادي الفنية رسمياً.
يقول محمد العبد الله الفيصل: “إن خالد زارع أول من قدم الأغنية المكبلهة في السعودية”، بينما يرى بدر بن عبد المحسن أنه أستاذ في فنه وإبداعه كشاعر ومن أجمل ما كتب (مجروح وإن) كأغنية.
ولعل أبناء الشعب السعودي لن ينسوا برنامجه الإعلامي الشهير (ربوع بلادي) الذي علم أبناء ذلك الجيل ومن بعده حب الوطن.
عندما ذاع صيته أطلقت عليه ألقاب عديدة أبرزها (سندباد التلفزيون وكوكتيل الإذاعة).
يعتبر خالد زارع من صناع الحركة الثقافية السعودية إلى جانب جيل الستينات الميلادية.
له من الأبناء همام وريهام وخزام، ودع دنيانا صباح يوم الخميس الماضي بعد مشوار مكلل بالتفوق في الحياة ـ رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.