البرامج المستنسخة
فيما مضى اثار انتشار البرامج الرياضية المستنسخة الكثير من الجدل والتساؤلات حول قدرة هؤلاء المستنسخين على ابداع تجارب وانتاج افكار مختلفة وتكون ثمرة لابداعهم وقدرتهم على التخيل والابتكار. وبعد مرور كثير من الوقت لا يبدو ان ثمة تغيير في خارطة هذه البرامج، وليت الأمر توقف عن استنساخ الافكار والرؤى الابداعية ، الواقع يؤكد ان التقليد انتقل الى الاشخاص للدرجة التي اصبح معها امكاينة رؤية مقدم ومخرج برنامج بعينه يتكرران في اكثر من قناة وبصورة طبق الأصل.
الدول كثيرا ما تلجأ لحماية منتجاتها وسلعها وافكارها بالقوانين التي تحرم التقليد والغش التجاري ومن ذات الكوة التي تطل منها تلك القوانين الرادعة نجحت كثير من البلدان في ابتداع قوانين تحمي الملكية الفكرية والابداعية وتجرم اي عمليات سطو على منتوج الآخرين من الابداع وتضمن لهم حماية بصمتهم الفنية وما تجود به قرائحهم من ابتكارات مبدعة. الفكرة، اي فكرة يمكن ان تكون مبذولة في المخيلة كما الحصا والحجارة على الارض، لكن توظيف الفكرة وتحويلها الى دسم ابداعي تبقى خاصية خيال ملهم وعقل وثاب يعرف كيف يدير تلك الفكرة ويوجهها الى ما ينفع.
برامج مضروبة
البرامج الرياضية ليست استثناء ومع محاولات النفي المستمرة والرفض الحاد لقبول فكرة ان هذا البرنامج يشبه ذاك الذي يقدم في القناة الاخرى وفي نفس البلد او ربما بالدولة الأخرى، تبقى الحقيقة ظاهرة وبائنة للعيان. فالكثير من تلك البرامج التي تقدم على قنواتنا الرياضية لا تفصل بينها سوى سنتمنرات قليلة بحساب الفارق الابداعي، لنقبل جدلا ان ثمة تشابه في افكار مبدعيها وان بعضهم بريء من اقتراف جريرة السطو على ابداع غيره، ولنتساءل هنا، هل يجعل ذلك الحال الذي انسحب على الفكرة ينسحب على طريقة التقديم والمحاور وحتى الرؤية الاخراجية؟ مؤكد ان ذلك ليس كذلك.
ذروة مشاهدة
قد يكون للفضائيات رغبة في الاستثمار التجاري من خلال سعيها لاستنساخ البرامج الناجحة سواء محليا او خارجيا وتحويلها الى منتج محلي يحقق درجة ابهار معقولة تمكنها من حصد متابعين يوفرون الاغراء اللازم لشركات الاعلان التي يهمها ان تبيع بضاعتها في سوق اكبر عدد من المشاهدين، ولهذا نجد الهم الاكبر عند اصحاب هذه القنوات هو تحقيق معادلة “مشاهدة أكثر = إعلانات أكثر”. وهي معادلة تستبيح في سبيل تحقيق الريع الأكبر الكثير من دم الحقوق وتهدر جهودا كبيرة بذل اصحابها الكثير من الرهق كي تنتج افكارا وبرامج تمشي بين الناس بكل ما هو مدهش وايجابي.
حريق النجومية
وتبقى مجــاراة هذه الفضائيات لاسواق الربح حتى وهي تسلك الطريق الخطأ بالاعتماد على ابداع غير مبرر على الاقل لاصحابها في سباق الحصول على اكبر عائد ممكن، بالمقابل يبقى غير المبرر ولا المقبول ان يهدر شباب المذيعين والمعدين والمخرجين ما يختزنونه من مواهب وطاقات ابداعية وتعطيله فقط لسبب استسهال الحصول على النجومية باقصر الطرق، وهي عادة تهدد بتحويلهم من منتجين للابداع الى من يقتاتون على غيرهم في وقت قد يكون ما يخبئونه من قدرة على الابداع يتفوق حتى على هؤلاء الذين اختاروا تقليدهم والسير على هداهم الابداعي.
تخطيء وتصيب
يقارن البعض في معرض انتقادهم لحالة التشابه بين بعض البرامج الرياضية بين فكرة “رئيس التحرير” الذي ارتبط باسم الاعلامي المصري حمدي قنديل وبرنامج “ارسال” الذي تبثه القناة الرياضية السعودية، ويدفعون بوجود اختلاف في الاسم وتشابه كبير في المضمون. ويربطون كذلك برنامج “ع – اللاين” و”مساء الرياضة” الذي تطاله شبهات التقليد والاستنساخ ايضا من برامج فضائية رياضية خليجية. وغير هذه برامج اخرى كثيرة، لكن وكما اسلفنا فان الخطورة تتجاوز استنساخ البرنامج الى استنساخ مخرج العمل او مقدمه وهنا تتحول الى حالة لا يمكن السكوت عليها ولعل هذا مكمن الخطورة وبداية النهاية لكل من وطن نفسه على ان يقتات من موائد غيره ابداعا غير مستحق ولم يبذل في سبيله فكرة جيدة او خيالا خصبا او حتى اداء يتسق مع مكونات الشخصية التي يفترض ان يتطابق مع فكرتها ومضمونها.
أصل الداء
يحمــل الكثيـرون فضائيــات بعينها نقل جرثومة التقليد الاعمى والاستنساخ الكامل لبرامج الغير ويستدلون بالعودة وراء حتى حدود العام 2000 حيث برنامج “من سيربح المليون” الذي لقي صدى واسعا وارسى جريرة مواصلة تقديم وانتاج البرامج المستنسخة كما حدث في العام 2003 من خلال برنامجي ‘ستار أكاديمي’ و’سوبر ستار’ اللذين حققا ارتفاعاً كبيراً وأرباحا خيالية، لقد كان نجاح تلك البرامج يرتبط بحالة الاغراء من خلال الجوائز الضخمة اضافة الى اعتمادها على عنصر الابهار في فترة شابها كثير من الانغلاق فاصبحت بمثابة متنفس بقدر ما افاد اضر وما زالت آثاره العدوانية تجثم على صدر الكثير من البرامج، بعد ان غادر متردم المنوعات الى البرامج الحوارية السياسية ومثلها البرامج الرياضية.
وجه الأزمة
قد يكون الوجه الابرز للازمة هو حالة العقم التي وضح انها تسيطر على اصحاب تلك النسخ الشائهة من البرامج المغشوشة والافكار المقلدة وهي حالة تثبت ان القائمين على تلك البرامج يفتقدون الرؤية الخلاقة والتخطيط المبدع ويعملون بلا استراتيجية ولا قدرة على الابتكار، لكن الاخطر برأينا ان تلك البرامج تقطع الطريق على مبدعين شباب بامكانهم ان يتقدموا الصفوف الابداعية وينتجوا افكارا خاصة بهم، وحتى من ينفذوها ممن يقعون فريسة التقليد سواء اكانوا معدين او مقدمين واو مخرجين ستتاح لهم حينها الفرصة لاثبات ان لديهم وجها مختلفا للابداع ورؤية اكثر نضجا ودهشة طالما ظلت حبيسة ادراج التقليد لينطلقوا بعدها في رحابة تقديم المبدع والمختلف والمتميز وفوق هذا وذاك الاصيل غير المستلف ولا المسروق.