|


صالح الخليف
فعلا.. العاصوف لا يمثلنا 2_2
2018-05-23

بدأت أمس الحديث عن مسلسل العاصوف والعاصفة المثارة حوله.. وقلت إن الفن ليس مطلوبًا منه أن يعكس واقع المجتمعات، بقدر ما يقدم المتعة في صورة تمثل أحد أوجه الحياة الحضارية.



وقلت أيضًا إن تلك الأصوات المنتقدة والناقمة على هذا العمل الاستثنائي، إنما جاءت لأسباب كثيرة من بينها الأحداث الصادمة التي لم يعتد الناس مطالعتها في عمل تراجيدي جاد ومستوى عالٍ من الحبكة الدرامية والسيناريو اللاهب؛ الأمر الذي جعل عاصوف القصبي والوابلي والسناني في عين العاصفة.. 



ركز المنتجون طوال العقود الماضية على مداواة كل الظواهر الاجتماعية من خلال الكوميديا فقط؛ ما صعَّد لدينا جيشًا من المهرجين والمضحكاتية الذين لم ينجح منهم سوى ثلة لا تتعدى أفراد فريق كرة سلة، فسقطت المعالجة وسقط النص وسقط الإنتاج والإخراج والكتابة التلفزيونية.. ظل العمل الدرامي السعودي متحجرًا متصلبًا في مكانه، معتمدًا على الأفكار الكوميدية بذريعة القاعدة الغبية القائلة “المخرج عاوز كده”.. وهذا أحد أهم عوامل التراجع والتأخر والنكوص.. الفن ليس إضحاك الناس وإنما إمتاعهم، والفرق واسع وشاسع بين الضحك والمتعة.. 



الفرق بين السخرية والإبهار.. الفرق كبير جدًّا.. إنها أول خطوة درامية في الاتجاة الصحيح والطريق الطويل، وما أجمل أن تترك أولى خطواتك كل هذه الجلبة والاهتزاز والزلزلة ليسمع صداها حتى أولئك الذين سبقوك في هذا المسار بمئات الأميال.. في أيام معدودات تفلتت الأصوات الجائرة بحثًا عن مآخذ وثغرات، ربما كانت تمارس فقط الضدية المعتادة مع القصبي؛ فاستقر بها الحال هذه المرة على حكاية لا يمثلنا، الخاوية من أي دراية بدور الدراما وفلسفة صناعتها..



ثم يأتي الحديث عن الحساسية المفرطة في إبراز حادثة عابرة ونشاز على السلوك الإنساني السوي في كل المجتمعات، وكأنه تجاوز وإهانة وتجنٍّ على ذلك الزمن العفيف.. تلك ممارسات لا يقرها ديننا الحنيف ولا أخلاقيات الناس، سواء في تلك الأيام أو أيامنا هذه، لكن القائل إنها ما كانت لتقع في الماضي إنما يرى زمن الطيبين ذاك زمنًا ملائكيًّا خاليًا من الدنائس والموبقات التي عرفتها البشرية حتى في أزهى عصورها نبلاً وتكرمًا وأخلاقًا، مناقضًا التاريخ والجغرافيا ودورة الحياة ومسارات الدنيا وتشاكيلها..



لا تنشغلوا بالهوامش ولا تنشغلوا بزمن ما كان زمانكم، ولا تنشغلوا بمن يمثلكم وبمن لا يمثلكم.. استمتعوا بالفن الحقيقي وتابعوا العاصوف وبكل هدوء.. أسبغ الله عليك رحمته ورضوانه وعفوه ومغفرته يا عبدالرحمن الوابلي..