ما من صحيفة سعودية مثل "الرياضية".. لو كانت الناس تستسيغ أن تكيل لمكانك وعملك وزملائك المدائح لقلنا فيها ما لم يقله مالك في الخمر.. لكن الذي يهون عليك ويمنحك القدرة والقوة والثقة على الكلام المباح، أنك ربما تقول ما يعرفه الناس وتعايشوا معه أزمنة مديدة..
عندما أعلنت "الرياضية" قبل ثلاثة أشهر تقريبًا إطلاق هويتها الجديدة، انهالت التغريدات في تويتر، يروي قراؤها عبر متنها الذكريات والمواقف وارتباطات البدايات الأولى..
أغلبهم استعادوا صورة السيارة الحمراء التي كانت تنقل الوردية إلى مدنهم وقراهم وحاراتهم..كيف كانوا يستقطعون ريالين من مصروفهم اليومي من أجلها في زمن كانت الصحف الأخرى بريال واحد.. كان هذا تحديًا ومغامرة..
صحيفة متخصصة لا تقدم سوى أخبار الرياضة والكرة وثمنها ضعف صحف أخرى تعطيك وجبة إخبارية وصحفية متكاملة، فيها السياسة والاقتصاد والمجتمع والفن والرياضة والشعر والأدب وكل ما يخطر على بالك تلك الأيام.. لونها الوردي هو أيضًا تحدٍّ ومغامرة غير محسوبة النتائج.. الصحف جميعها بيضاء من غير سوء.. كيف سيتعاطى الناس مع هذا اللون الغريب على أنظارهم.. أساسًا ما علاقته بالرياضة؟!الوردي يصنف لونًا نسائيًّا تصبَّغ في الأذهان مع الفساتين والإكسسوارات والحلي.. أراد أصحاب القرار في الشركة السعودية استنساخ تجربة الجريدة الإيطالية ذائعة الصيت لاجازيتا سبورت، التي بدأت خضراء قبل مئة عام ثم ارتدت الوردي.. ومشت "الرياضية" على خطاها.. "الرياضية" فتحت الباب وارفًا أمام الصحافة المتخصصة.. هي من أطلقت الشرارة الأولى..
وسار الآخرون على ذات نهجها ومنهاجها.. لم تعرف الصحافة السعودية قبل "الرياضية" معنى التخصص، ولم يكن منطقيًّا أن تشتري جريدة رياضية بريالين وتترك جريدة تقدم كل شيء بريال واحد.. هذه قسمة ضيزى.. أكثر ما فعلته "الرياضية" في أجواء الصحافة هي تلك الأرقام المهولة في التوزيع.. كان توزيعها يفوق مئتي ألف نسخة في النهائيات ومباريات المنتخب الحاسمة.. اتركوا ما يقال عن أرقام أخرى في صحف أخرى.. لا أقول إنها أكاذيب وطرق مخادعة.. لولا أنني فقط أتذكر عنوان آخر عمل فني جمع ناصر القصبي وعبد الله السدحان "عيال قرية"، في أرقام الصحف التي يتداولها المتداولون.. بينما هي سرية للغاية.. فالرد هو كلنا عيال قرية.. ربما لو أطلنا الكلام عن حكايات الأرقام هذه لأصابنا الصداع ووقعنا في المحظور..
ليس هناك حاجة ملحة لاستعراض القوة المهنية لـ"الرياضية".. هذه حكاية يطول شرحها أيضًا.. صحيفة يحسب لها ترسيخ مدرسة السجع والإثارة الواقعية والبحث عن ما وراء الحدث.. بنت نهجًا يصعب تكراره وتقليده ومحاولة استنساخه..
ظلت "الرياضية" ثلاثين عامًا تحمل لواء أهمية وعمق ومنهجية الصحافة الرياضية أمام نظيراتها.. زملاء صحفيون كثر يحاولون يأسًا وغيرة وغبطة مناكفتنا.. كوننا نعمل في صحافة الكورة.. لا أستطيع بحكم المساحة أن أقول لهم إننا عيال قرية.. أقول لهم ألستم مثلنا ومثلهم كنتم تنتظرون السيارة الحمراء..؟!