نعمة النسيان هبة إلهية ليتعايش البشر مع ما يصيبهم في الدنيا من مشقَّة وكبدٍ وحزن على فقدان، وغيرها من منغصات العمر، أما في عالم الرياضة ومجتمعها الكبير فاخترعوا ما يسمَّى بـ "لعبة النسيان" ليتمكنوا من عدم التنازل عن قناعاتهم، سليمها وسقيمها، أو كما يسمُّونه "عشقهم للأبد"!
ربما تكون فلسفة التنافس، الذي يجب ألا ينتهي، وحينها لا يمكن أن تجدِّده إلا بلعبة النسيان، وهو تناسٍ أكثر مما هو نسيان مكشوف من كل الأطراف، ولجميعها، لكنهم راضون به، لأنه الحل الأسلم لكيلا ينكسروا أمام الغريم، ولا يسلِّموا له بالتفوق، وهذا الأمر لا تغيِّره تهنئة وقتية في إطار المجاملة، وفي الحقيقة هي مهادنة حتى حين.
من ذلك، أن يكون البطل مثلًا وسط ضجيج النقاش على الدرجة نفسها من التوتر والاستفزاز، يدافع عن مكتسبه تمامًا مثل الخاسر، الذي لا يملك شيئًا في ذاك الوقت، فقط لأن لعبة النسيان ساوت بينهما، وفي ذلك سرٌّ من أسرار استمرارية الصراع المبني على القناعات الخاصة التي لا تغيُّرها الحقائق.
في هذا العالم تبدو "الموضوعية"، على ما لها من وجاهة، ضعفًا، و"الحقيقة" على فرضية أنها الفيصل، جرحٌ، يتوجَّب علينا أن نتجنَّبها، أو نعتذر عند ذكرها، وبسبب ذلك تبرز أعراض مرض، نسمِّيه "التعصب"، لأننا لا نؤمن بأن ما يُطرح قد يكون خاطئًا، أو صائبًا، وهو ما يقود إلى أن نطالب بما يسمَّى "الحياد" لنقف في المنتصف، في المنطقة الرمادية، مع وضوح الأبيض والأسود!
أكثر ما تسبِّب هذه الإشكالية، أن التنافس الرياضي أساسه الفوز والخسارة، وما يزيد من تعميقها أن الفوز والخسارة لا يدومان، ومن ذلك تبرز مسألة عدم الاستسلام ما يعني عدم إعطاء الخصم فرصة كسب نقاط اعترافك بتفوقه، لإيمانك أن الغد لك، وهكذا دواليك. وهذا صحيحٌ، لكنَّ كيفية إدارة هذا الصراع، والأسلحة المستخدمة فيه، وتوقيته عادةً ما تُسقط جهابذته في دائرة تمثيل الكل، وبالتالي إلحاقهم الضرر بمَن يزعمون الدفاع عنه، سواء كانت كيانات، أم أفرادًا، أم مبادئ.
شعبية كرة القدم وأنديتها ونجومها حالة تجتاح الكرة الأرضية برمَّتها، ولا تكاد تجد بلدًا لا يوجد فيه صراع كروي محموم، تشترك فيه الجماهير من مختلف شرائح المجتمع، والإعلام بتخصصاته، ووسائل التواصل الاجتماعي بمنصاتها كلها التي تضج ليل نهار بالأخبار، والقصص، والشائعات، والأكاذيب، والمهاترات في انقسامات جلية وفاضحة، وانحيازات مكشوفة ومعلنة، ويبقى الاختلاف بينهم في ضبط ذلك لحفظ الحقوق ودرء الشرور.