كنت في زيارة عمل إلى المنطقة الشرقية قبل نحو سبع سنوات.. أنهيت مهمتي الأساسية في مدينة الأمير نايف بن عبد العزيز الرياضية.. وكنت قبل ذلك قد وعدت عددًا من منسوبي وعشاق كرة اليد بزيارة خاصة، ولاسيما أن ظروف العمل ساعدت كثيرًا على تكوين علاقات طيبة معهم ومع أمثالهم في رياضات مختلفة في مختلف بقاع وطني الكبير..
سقت الخطى معهم.. كانت الوجهة هي القطيف.. والقديح تحديدًا.. كنا في تلك المرحلة من عمر الرياضة نتحدث كثيرًا عن إنجازات وتطور فريق "مضر" لكرة اليد.. فأشاروا إلي بفكرة زيارة مقر النادي وأبديت موافقتي المباشرة بكل نشوة..
وبينما كنا في أولى خطواتنا داخل المقر.. توقف أصحابي فجأة في ساحة إسفلتية واسعة، أشبه ما تكون إلى مواقف السيارات.. أحاطت بها السياج المعدنية "الشبوك" من ثلاثة اتجاهات.. بينما كانت إضاءتها الضعيفة صادرة من مصابيح ضاربة في الكبر وقد أصابها الإعياء.. مصابيح عالية شاهدت مثيلاتها آخر مرة أيام الثمانينيات الميلادية في ساحات بعض المدارس العتيقة..
كان المكان خاليًا من أي عنصر بشري عدا أصحابي وأنا.. وذلك السياج المعدني الذي يشابه إلى حدٍ كبير "أحواش" المستودعات والصيانة في المدن القديمة.. وبعد أن أكملت 360 درجة في الدوران حول نفسي لاكتشاف المكان، بادرني أحدهم بالصدمة حين قال: هذا هو ملعب كرة اليد بالنادي..!
هنا توقف تفكيري لوهلة.. وانتظرت أن يقول صاحبنا على الأقل إنه المكان المؤقت لفريق كرة اليد؛ بسبب أعمال الصيانة لصالة كرة اليد الرئيسية.. أو أن يقول أي شيء.. أي شيء ولكن لا يتركني أمام حقيقة صادمة كهذه.. وبالطبع.. كنت مباشرًا كما كان صاحبي.. فسألته: "هل تعني أن بطل آسيا لكرة اليد تمت صناعته في هذا المكان"؟! فأجاب بثقة وانكسار معًا: نعم هنا يتدرب أبطال كرة اليد في مضر..!
عندها توقف تفكيري مجددًا.. ورجعت بذاكرتي القريبة والبعيدة لتلك القصص من الإنجازات الرياضية التي سمعنا وقرأنا عنها كثيرًا.. وعن تلك البطولات التي تولد من رحم المعاناة والصعوبات..
عدت بعد تلك الزيارة إلى حبيبتي الرياض برًّا.. وما زلت أتذكر أن جل تفكيري أثناء تلك الرحلة كان منصبًّا في المقارنة بين الرفاهية التي يجدها الفاشل ولا يخجل معها من تبرير فشله.. وبين تلك القدرة العجيبة للناجح في عبور بحور الصعاب إلى مرافئ المنصات..
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..