في كل مرة سيبقى الحديث عن الحكام والتحكيم الرياضي ضروريا، إما من أجل تتبع أحواله ونقده، أو بغرض معالجة مشاكل العاملين في سلكه المكهرب دوما، بفعل موقعه كحجر أساس في المنافسات، ينتظر منه تحقيق العدالة بين أطرافها لا أن يكون من أسباب ضياعها.
نستثني مما يطرح مايردد بمناسبة وغيرها عن الانحياز والدعم لأندية معينة، والتشكيك في الذمة والنزاهة، وكله دون دليل قاطع ولا براهين تقدم، بل بهمز ولمز وعبارات جوفاء بلهاء تقال عند الحاجة، لفك التضييق على أصحابها خلال المواجهات والمحاجات الكلامية في المجالس والإعلام، على أن ذلك لايعني أن لاوجود لأخطاء فاضحة وواضحة.
نحتاج إلى أن نفرق بين احتساب وعد أخطاء الحكم في المباراة وبين تفسيرها، إذا ماكان لرداءة في مستواه أم أنه تعمدها خدمة لناد محدد، وفي ذلك سبق لي طرح تصور عن حالة التحكيم كمواد قانون والحكام كأفراد تنفيذيين له، جاء في مقالين نشرا في الشرق الأوسط في فبراير 2015 وفبراير 2016، ذكرت فيهما أن التحكيم الرياضي ليس فقط رغبة وتعلماً وحفظ قوانين.
وأن إدارة المباراة هي مثل أداء اللاعب، يمكن ملاحظتها وتقييمها، فالحكم المؤهل يمكن أن يصبح حكما جيدا، والحكم الجيد يمكن أن يخطيء لكنه لايستمر في أخطائه ولاتهتز ثقة الجماهير ولا اللاعبين به، أما من لايملك من التحكيم إلا الزِّي وحفظ القانون وفرصة الانضمام لسلك الحكام، فإنه مضر للعبة والمنافسة، ولن يحظى بالثقة أو يطمئن له مهما اجتاز بعض التجارب بسلام.
الزميل الرائع أحمد الفهيد في مقالته هنا في "الرياضية" قبل أيام، قطع بأن المشكلة في التحكيم وليس في الحكم، وإن ذلك ثبت له من خلال ماشهدته تجربة الاستعانة المطلقة بالحكام الأجانب، التي كشفت أو يفترض هكذا للجميع أن الحكم جزء من اللعبة، ومن النادر أن يكون جزءاً من التلاعب، وعلى ذلك فلافرق أن يحكم أجنبي أو محلي، وفي ذلك كأنه يقصد أن توفر الحكم الجيد أيا كان هو الفيصل في المسألة، وعلى الجميع التعامل مع أخطائه على أنها مشكلة التحكيم وليس الحكم.
ولا أعلم إذا ماكان ذلك يتعارض مع ماسبق لي ذكره من أن المشكلة في الحكم، لأن القانون لاينفذ أو يفسر نفسه، ويترك ذلك لتقديرات الحكم. وضربت في ذلك مثلاً وقوع أحد الأخطاء العشرة التي تستوجب احتساب ركلة الجزاء، ولايتم إلا إذا قدر الحكم أنها المقصودة في نص القانون بالعرقلة أو تعمد لمس الكرة وخلافه، فلا سلطان عليه إلا ضميره وسلامة تقديره وهكذا في كل الأحكام.
نص أحكام القانون يمكن لها أن توجد متابعاً أو محللاً تحكيمياً يقرأ ويطبق وغالبا يقنع الجمهور، لأن الوقت وأساليب التوضيح تتوفر له، إضافة إلى أنه قد ضمن أن النصف الآخر من المتابعين سيقفون لصفه، لكن الحكم الذي أدار المباراة من أرض الملعب أمره يختلف جدا، فهو يفسر المواد ويقدر الحالات بشكل مباشر غالبا تجعله يختلف عن غيره، نظرا لحالة التعايش والتفاعل مع مجريات اللعب، وهي إجمالا الإدارة، ومن ذلك ينجح الأجانب في الإقناع أكثر، وهو مايجعلني أقول إن الحكم هو مواد القانون، يسيرها ولا تسيره، لأنه من ينزلها على الوقائع ويكيفها على أي اتجاه يعتقده أو حتى يريده.