فيصل بن تركي، أكثر رئيس نادٍ أسال لعاب قلمي وكتبت عنه كثيراً ما بين المدح والنقد لأنه شخصية رياضية تسكنها روح الإصرار والعزيمة.
شخصية "كحيلان" لا تختلف عن مزارع يحرث أرضه بيده، ينثر فيها بذور عرقه، يحصد بنفسه ثمار نجاحه لكنه يرفض أن يأكل بمفرده، يدعو خصومه إلى مائدته قبل مؤيديه، هكذا المشهد يبدو لنا عندما حقق النصر البطولات كان نبيلاً في تسامحه كبيراً في صفحه عظيماً في تغاضيه عن كل مَن زرع الشكوك في طريقه للنجاح.
فيصل بن تركي رجل عصامي تربَّع على كرسي النصر والنادي كالأرض القاحلة جافة لم تتذوق مطر البطولات سنوات طويلة، فريق متهالك يترنح في سلم ترتيب الدوري في المنطقة الدافئة لا مع الأبطال ولا مع الهابطين.
شمَّر عن ساعده وسكن في النادي أكثر من قصره، يسافر مع اللاعبين إلى كل مكان ويجالسهم في غرف تبديل الملابس ويحتضنهم بقمصانهم المبللة لتختلط رائحة عرقهم مع عطره الباريسي الفاخر ويقضي وقته مع كل شيء داخل جدار ناديه، يناقش العامل أسباب تأخر رواتبه وفي نفس الوقت يناقش المدرب فشل خطته.
هذا الرجل عجيب لا تقهره حتى عوامل الطقس وتلك الصورة الخالدة له في موسم الحصاد "دوري 2014م" عندما كانت تتساقط الأمطار بغزارة على الرياض قبل مباراة الديربي مع الهلال، رفض مغادرة ملعب التدريب التقط مظلته وجلس تحت المطر بملابسه المبتلة، يزرع الحماس في جسد اللاعبين وكان لهذا الموقف الحافز الكبير لفريقه لعبور الخصم الجار الأزرق ليتمهد طريق النصر لمنصات التتويج ويحقق بطولتي كأس ولي العهد والدوري في مشهد يجسد لك الصحوة الحقيقية للعالمي بعودته لمعانقة الذهب بعد سنوات عجاف.
قصة نجاح كحيلان في النصر تكمن في بناء فريق قوي باستقطاب أبرز المواهب الكروية لفريقه إلى جانب اهتمامه بالفئات السنية في النادي التي أنتجت كثيراً من اللاعبين، اعتمدت عليهم المنتخبات الوطنية في تحقيق كثير من المنجزات، وأصبحوا ثروة بشرية لمستقبل النادي.
لا يمكن لأي شخص مر بنفس ظروف كحيلان في بدايته على كرسي الرئاسة أن يصمد ويكافح للنجاح، مدرج بأكمله رفعوا كرتاً أحمرَ ضده وقالوا له ارحل، وقال لهم صبراً هي عثرات الخطوة الأولى لينتصر في النهاية ويجعل كل معارضيه يرفعون صورته في "تيفو" تاريخي يغطي كل المدرج ويجسد مشهد نجاح وُلِدَ من رحم المعاناة.
لا يبقى إلا أن أقول:
قبل أن تصدر الهيئة العامة للرياضة قرارها بإعفاء رئيس نادي النصر فيصل بن تركي من منصبه كتبت الأسبوع الماضي مقالاً تحت عنوان "رحيل كحيلان علاج النصر" وكان المقصد من المقال بأن يترجَّل هذا الفارس من منصبه لأنه أصبح في الفترة الأخيرة مثل الرسام الذي يقف أمام لوحة بيضاء وهو لا يملك ألواناً في يده عاجز عن ترجمة أفكاره فاقد لكل أدوات النجاح.
مع كل هذا لا يمكن أن يعبر تاريخ الرياضة السعودية دون أن يدوِّن في صفحاته أن فيصل بن تركي رمز التجديد في نادي النصر ومحقق منجزاته الأخيرة.
من الإنصاف أن لا نطمس إيجابيات أي شخص بسبب تصرف سلبي حدث في ظروف معينة كان سبباً في رحيله، من حق "فيصل بن تركي" علينا كرياضيين أن نقول له شكراً على كل عطاء من وقتك ومالك في خدمة نادٍ كبير بحجم النصر.
قبل أن ينام طفل الـ "هندول" يسأل:
هل في رحيل فيصل بن تركي عن النصر مصلحة أم ضرر؟!
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية" وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك.