لم يقل أحد إنه ضد حرية الرأي "المسؤول"، ولا النقد "البناء"، ولا الممارسة الصحفية "الموضوعية"، لم يطلب من صاحب الرأي الذي لا يعجب أو ممن يقدم حقائق مثبتة أن "يعتذر"، ولا من "اعتذر" أن "يتبلى" على نفسه ليرضى عنه أحد.
توقف بعض المنصات الإعلامية الشخصية أو المؤسساتية عن التغريد خارج العقل والمنطق أدى إلى خفوت صداها المتمثل في المتلقين الذين كانوا "البركة" التي يرمي هؤلاء فيها أحجارهم لتحرك مياهها وترسم دوائرها، وبالتالي صارت الأجواء الآن أقل تلوثا وأكثر نقاء.
أكثر المتضررين من ضبط المشهد الإعلامي والرياضي - وهما وجهان لعملة واحدة - هو من كان لا يستطيع تحقيق مصالحه إلا في فوضاها أو دهاليزها المظلمة؛ حيث تحاك المؤامرات وتختلق القصص، وأكثر من سيخرج منها مهزوما هو من كان يبني قيمته الرياضية أو الإعلامية على الدسائس، ثم الاحتماء خلف الجماهير، أو من بنى مجده الإعلامي على الانتهازية والتشبيح.
في الكويت "مثلا"، بلغ إجمالي القضايا المرفوعة لنيابة الإعلام العام الماضي 2865 تتعلق بجرائم قانون تقنية المعلومات، و251 قضية "جنح صحافة"، و27 قضية "مرئي ومسموع"، وتم تحويل 1339 قضية منها إلى المحكمة، وحفظت 1585 و219 رهن التحقيق، واللافت أن 80% منها ارتكبت عبر "السوشال ميديا"، وجميعها تتضمن المساس بسمعة وكرامة الشاكين، وهنا ما وددت التنبيه إليه، وهي طبيعة الجرم "المساس بالسمعة والكرامة،" ووجود "شاكين"، وهو عنصر مهم، ولولاه لحقق المعتدون مبتغاهم ووسيلة الجريمة "السوشال ميديا"، وغالبا هي في يد الأفراد لا المؤسسات.
رئيس تحرير أخبار الخليج البحرينية أنور عبدالرحمن في ندوة حوارية حول "قانون الصحافة وحرية التعبير في البحرين"، أشار إلى مسألة مهمة تتعلق بالزاوية التي يتم الحكم من خلالها على ما يدخل في الحريات المسموح بها، وما يتجاوزها ويستوجب تقييدها، حيث اعتبر أن مَرَدَّ ذلك إلى وجود مدرستين: الأولى تميل إلى المبالغة والمغالاة فيما يتعلق بحرية الصحافة "صحافه بلا حدود"، والأخرى تتسم بالواقعية والعقلانية، لا تنكر من حيث المبدأ ضرورة تمتع الصحافة والصحفيين بالحرية، لكنها تدرك أنها بلا ضوابط ستقع في حالة انفلات وبروز "الصحافة الصفراء".
المشار إليهما يدوران حول شيئين "القانون والتنفيذ"، وهما ما نحتاج إلى أن يكونا صلب عمل اتحاد الإعلام الرياضي، بالتأسيس على نظام المطبوعات والجرائم المعلوماتية يمكن استصدار قانون يتلمس حاجة الشأن الرياضي ومجتمعه بضمانة تنفيذ فقراته وبنوده العقابية من جهة الاختصاص، لكن يبدأ بإشهاره وهضمه وإشاعته كثقافة سلوك وعمل... هذه أرضية الحرية الصحفية التي تنبت أشجار الرأي المتجرد من الأهواء والمعالجات الموضوعية، وتزهر بالأمانة والمصداقية.